متناهية ، وكل ما حصره الوجود فهو متناه ، ولا تكشف عين البصيرة إلا ما دخل في الوجود بوجه ما من أوجه مراتب الوجود ، ومهما ظهر ممن حصل في هذا المقام شيء من ذلك على ظاهره في حق شخص ما ، فتلك الفراسة ، وهي أعلى درجات المكاشفة ، لذلك قال تعالى : (وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ) وذلك عين اليقين لأنه عن رؤية وشهود.
(فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأى كَوْكَباً قالَ هذا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قالَ لا أُحِبُّ الْآفِلِينَ) (٧٦)
فإن الإله لا يكون من الآفلين وإبراهيم الخليل يحب الله بلا شك ، فالله ليس بآفل ، فإن تجليه دائم ، وتدليه لازم ، لذلك لم يجب الخليل الآفل ، لأنه رآه يطلب السفل ، وهمته في العلو لطلب الدنو.
(فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بازِغاً قالَ هذا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ (٧٧) فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بازِغَةً قالَ هذا رَبِّي هذا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قالَ يا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ) (٧٨)
كانت هذه الثلاثة أنوار حجة إبراهيم على قومه آتاه الله إياها عناية منه به ولم يقلها إشراكا ، لكن جعلها حبالة صائد يصيد بها ما شرد من عقول قومه ، فلم يكن قوله في الأنوار الثلاثة عن اعتقاد بل عن تعريف لإقامة الحجة على القوم ، ألا ترى إلى ما قال الحق في ذلك. وتلك حجتنا آتيناها إبراهيم على قومه. ـ إشارة ـ غمّض عن الكوكب والقمر ، وإذا رأيت الشمس فلا تقل هذا أكبر ، أي لا تطلب الله تعالى بالدليل ، بل سله يعرفك بنفسك ، قال صلىاللهعليهوسلم : (من عرف نفسه عرف ربه) ـ إشارة ـ الكوكب والقمر والشمس أنوارها إشارة إلى الروح والعقل والنفس ، وأثبت لهم الربوبية لما لحظ لهم القهر على النشأة الترابية.
(إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفاً وَما أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ) (٧٩)