قال : (وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ) لما رأى بعضهم يفضل على بعض وفطر السموات والأرض هو قوله ففتقناهما ، فصل السموات بعضها عن بعض ، وهو بحر واسع ما يسعه كتاب ، ففتقهما بعد رتقهما ليتميزا ، فيظهر المؤثر والمؤثر فيه لوجود التكوين. (حَنِيفاً) الحنف : الميل أي مائلا إلى جناب الحق (وَما أَنَا) في هذا الميل (مِنَ الْمُشْرِكِينَ) فنفى عن نفسه الشرك. ـ التوجه في الصلاة ـ جاء في الحديث بعد التكبير (وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفاً وَما أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ) ، (إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيايَ وَمَماتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ ، لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ) والأكمل في التوجه أن يعقب التوجه بقوله : «اللهم أنت الملك لا إله إلا أنت ، أنت ربي وأنا عبدك ، ظلمت نفسي ، واعترفت بذنبي ، فاغفر لي ذنوبي جميعا إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت ، واهدني لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت ، واصرف عني سيئها لا يصرف عني سيئها إلا أنت ، لبيك وسعديك ، والخير كله بيديك والشر ليس إليك ، أنا بك وإليك ، تباركت وتعاليت ، أستغفرك وأتوب إليك» ـ إشارة ـ أيها الحباب المتقاطر ، والسحاب الماطر ، هذا قد تجلى لكليتك الإله الفاطر ، فقل لسمائك لا تحجب بلطافتها ، ولأرضك لا تحجب بكثافتها ، فإنه لا بد عند تجليه لسمائك من تخلخلها ، ولأرضك من تزلزلها ، فإياك أن تقع في أشراك الإشراك ، لعظيم آفات الاشتراك ، والزم الوحدة فيها تحصل رفده ومجده ، وكن وجها مستديرا ، ولا تجعله عبوسا قمطريرا ، ولا تحجب بالجهة الكعبية ، عن الجهة القلبية ، وألحق الحياة بقدمها ، والموت بعدمه في قدمها ، والصلاة بحضرة ربك ، واجعل النسك قربان قربك ، وأقر بالأمر للآمر ، واعترف بالإسلام حذرا من الحسام الباتر ، وارغب في الانصراف إلى الفضائل وعن الرزائل ، واسند الأمور إليه ، فإن مفاتيحها في يديه ، واستسلم للحكم ، تكن من أهل العلم ، وتدرّع بثوب الاستغفار ، فإنه يحول بينك وبين النار.
(وَحاجَّهُ قَوْمُهُ قالَ أَتُحاجُّونِّي فِي اللهِ وَقَدْ هَدانِ وَلا أَخافُ ما تُشْرِكُونَ بِهِ إِلاَّ أَنْ يَشاءَ رَبِّي شَيْئاً وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً أَفَلا تَتَذَكَّرُونَ (٨٠)