الله في هذا العالم المقهور تحت تسخيره ، فمن علم هذه المعلومات فما بقي له معلوم أصلا يطلبه ، فمنها ما لا نعلم إلا وجوده وهو الحق تعالى ، ونعلم أفعاله وصفاته بضرب من الأمثلة ، ومنها ما لا يعلم إلا بالمثال كالعلم بالحقيقة الكلية ، ومنها ما يعلم بهذين الوجهين وبالماهية والكيفية وهو العالم والإنسان.
(الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ) (٨٢)
أتى سبحانه بلفظة (بِظُلْمٍ) نكرة فشق على الصحابة فقالوا : «وأينا لم يلبس إيمانه بظلم»؟ وهم العرب الذين نزل القرآن بلسانهم ، ما عرفوا مقصود الحق من الآية ، والذي نظروه سائغ في الكلمة غير منكور ، راجع إلى ما تعطيه الألفاظ من القوة في أصل وضعها ، لا ما هو الأمر عليه في نفسه ، لأن الظلم هنا ظلم خاص ، مع كونه نكرة فهو نكرة عند السامع لا عند المتكلم به ، لهذا فسر لهم النبي صلىاللهعليهوسلم فقال لهم : ليس الأمر كما ظننتم وإنما أراد الله بالظلم هنا ما قاله لقمان لابنه وهو يعظه : (يا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ) ففسر صلىاللهعليهوسلم الظلم في هذه الآية بالشرك خاصة وعلمنا بهذا التفسير أن الله أراد بالإيمان هنا أنه الإيمان بتوحيد الله لأنّ الشرك لا يقابله إلا التوحيد ، فعلم النبي صلىاللهعليهوسلم ما لم تعلمه الصحابة ، ولهذا ترك التأويل من تركه من العلماء ولم يقل به واعتمد على الظاهر وترك ذلك لله.
(وَتِلْكَ حُجَّتُنا آتَيْناها إِبْراهِيمَ عَلى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجاتٍ مَنْ نَشاءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ) (٨٣)
الحجة هي إذا كان القول يعجز السامع فهو عين الحجة ، وهذا يدل على أن حجج الرسل عليهمالسلام ليست عن نظر فكري ، وإنما هي عن تعليم إلهي. فقوله تعالى : (وَتِلْكَ حُجَّتُنا آتَيْناها إِبْراهِيمَ عَلى قَوْمِهِ) أي مثل حجتنا التي نصبناها دليلا على توحيدنا ، وهي قوله : (لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللهُ لَفَسَدَتا) فقد استدل إبراهيم الخليل عليهالسلام في الأفول فأعطاه النظر أن الأفول يناقض حفظ العالم ، فالإله لا يتصف بالأفول ، أو الأفول حادث لطروه