على الآفل بعد أن لم يكن آفلا ، والإله لا يكون محلا للحوادث ، وهذه الأنوار قد قبلت الأفول فليس واحد منها بإله ، فذكر إبراهيم عليهالسلام الحق بالعالم دلالة عليه ، ولم يقل ذلك إشراكا لكن جعل الأنوار الثلاثة حبالة صائد يصيد بها ما شرد من عقول قومه فقال تعالى : (وَتِلْكَ حُجَّتُنا آتَيْناها إِبْراهِيمَ) عناية منا به (عَلى قَوْمِهِ) ـ تحقيق ـ من القول ما هو حجة وما ليس بحجة ، فهل الحجة على الخصم عين القول خاصة أو ما يدل عليه القول؟ أو في موطن يكون القول ، وفي موطن يكون ما يدل عليه القول؟ إذا كان القول يعجز السامع فهو عين الحجة (نَرْفَعُ دَرَجاتٍ مَنْ نَشاءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ) فإن كل ما يجري هو عن وضع إلهي وترتيب عالم حكيم.
(وَوَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ كُلاًّ هَدَيْنا وَنُوحاً هَدَيْنا مِنْ قَبْلُ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ داوُدَ وَسُلَيْمانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسى وَهارُونَ وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (٨٤) وَزَكَرِيَّا وَيَحْيى وَعِيسى وَإِلْياسَ كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ (٨٥) وَإِسْماعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطاً وَكلاًّ فَضَّلْنا عَلَى الْعالَمِينَ (٨٦) وَمِنْ آبائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوانِهِمْ وَاجْتَبَيْناهُمْ وَهَدَيْناهُمْ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (٨٧) ذلِكَ هُدَى اللهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ ما كانُوا يَعْمَلُونَ) (٨٨)
اعلم أن الأسباب محال رفعها ، وكيف يرفع العبد ما أثبته الله. ليس له ذلك ، ولكن الجهل عمّ الناس فأعماهم وحيرهم وما هداهم ، فقد أثبت الله الهداية بالروح فقال تعالى : (وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا) وقال فيه : (نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشاءُ مِنْ عِبادِنا) وهذا وضع السبب في العالم ، فالوقوف عند الأسباب لا ينافي الاعتماد على الله ، ولهذا جعل سبحانه الأسباب مسببات لأسباب غيرها ، من الأدنى حتى ينته فيها إلى الله سبحانه ، فهو السبب الأول لا عن سبب كان به ، فما دام الموجود ناظرا إلى السبب الذي صدر عنه ، كان أعمى