عن شهود الله الذي أوجده ، فإذا أراد الله أن يجعله بصيرا ، ترك النظر إلى السبب الذي أوجده الله عنده ، ونظر من الوجه الخاص الذي من ربه إليه في إيجاده ، جعله الله بصيرا. فالأسباب كلها ظلمات على عيون المسببات ، وفيها هلك من هلك من الناس ، فالعارفون يثبتونها ولا يشهدونها ، ويعطونها حقها ولا يعبدونها ، وما سوى العارفين يعاملونها بالعكس ، يعبدونها ولا يعطونها حقها ، بل يغصبونها فيما تستحقه من العبودية التي هي حقها ، ويشهدونها ولا يثبتونها.
(أُولئِكَ الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ فَإِنْ يَكْفُرْ بِها هؤُلاءِ فَقَدْ وَكَّلْنا بِها قَوْماً لَيْسُوا بِها بِكافِرِينَ) (٨٩)
فإن الملك أوسع من أن يضيق عن وجود شيء ، كما قال تعالى : (وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثالَكُمْ).
(أُولئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللهُ فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرى لِلْعالَمِينَ) (٩٠)
ـ الوجه الأول ـ هدى الأنبياء عليهمالسلام هو ما كانوا عليه من الأمور المقربة إلى الله ، وفي الدعاء المأثور سؤاله صلىاللهعليهوسلم هدي الأنبياء ، وعيشة السعداء وبالهدى تعطى التوفيق ، وهو الأخذ والمشي بهدي الأنبياء ، وتعطى البيان وهو شرح ما جاء به الحق ، إذ الهدى هديان : هدى تبياني وهو قوله تعالى : (وَما كانَ اللهُ لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَداهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ ما يَتَّقُونَ) وهذا الهدى قد يعطي السعادة وقد لا يعطيها ، إلا أنه يعطي العلم ، كقوله تعالى : (وَأَضَلَّهُ اللهُ عَلى عِلْمٍ) ؛ وهدى توفيقي وهو هدى الأنبياء عليهمالسلام ، وهو الذي يعطي سعادة العباد (وَما تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللهِ) وإذا كان الرسول سيد البشر يقال له : (أُولئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللهُ فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ) فما ظنك بالتابع ـ الوجه الثاني ـ لما كان رسول الله صلىاللهعليهوسلم متبعا اسم مفعول لا اسم فاعل لذلك قال له عند ذكر الأنبياء (فَبِهُداهُمُ