فانطبق البحر عليهم فأهلكهم بما أنجى به بني إسرائيل.
(وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَما هَدى) (٧٩)
لما كان نسبة الأفعال إلى المخلوقين فيها إشكال ، قال تعالى (وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ) فنسب الإضلال لفرعون ، وما نسبه إلى قومه فإنه عندهم ذو فعل ، ونفس الأمر كذلك ، وقوله (وَما هَدى) أي ما بيّن لهم طريق الحق ، فإنه موضع لبس لكونه ذا أفعال ، فلو كان المعبود جمادا ما وقع اللبس ، ومع ذلك لا يعذر قوم فرعون ، فإن خاصية الفعل في المخلوق لا تكون سارية في كل شيء حتى تضاف إليه الأفعال كما تضاف إلى الله ، وبهذا القدر من الجهل أخذ عبدة المخلوقين ذوي الأفعال كفرعون وغيره ، وهذه الآية والتي قبلها تكذيب من الحق لفرعون في دعواه القهر لبني اسرائيل ، لما قال (سنقتل أبناءهم ونستحي نساءهم وإنا فوقهم قاهرون).
(يا بَنِي إِسْرائِيلَ قَدْ أَنْجَيْناكُمْ مِنْ عَدُوِّكُمْ وَواعَدْناكُمْ جانِبَ الطُّورِ الْأَيْمَنَ وَنَزَّلْنا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوى (٨٠) كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ وَلا تَطْغَوْا فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي وَمَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوى) (٨١)
(وَلا تَطْغَوْا فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي) فأضاف الغضب إليه ، وإذا نزل بهم كانوا محلا له ، فهم محل الغضب وهو النازل بهم ، فإن الغضب هنا هو عين الألم ، وجهنم إنما هي مكان لهم ، وهم النازلون فيها (وَمَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوى) فالغضب الإلهي جعله يهوي ، فإذا هوى وهو السقوط ـ وهو حكم الغضب لا غير ـ فيسقط في الرحمة فتسعه وتتلقاه ، فلا يسقط إلا إليها ، وبالرحمة التي في الغضب سقط ، فهي التي جعلت الغضب يهوي به لتستلمه الرحمة الخالصة ، ولهذا كان المآل إلى الرحمة وحكمها وإن لم يخرجوا من النار ، فلهم فيها نعيم ، والله على كل شيء قدير ، وهو القائل (ورحمتي وسعت كل شيء) والغضب من الأشياء التي وسعته الرحمة ، فما ثمّ غضب خالص غير مشوب برحمة ، والرحمة لا يشوبها غضب.