(وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً ثُمَّ اهْتَدى) (٨٢)
إذا صح التوحيد فهو المطلوب من كل موجود ، فكيف إذا انضاف إلى ذلك أداء العبادات المشروعة في الحركات الخارجة والداخلة؟
(وَما أَعْجَلَكَ عَنْ قَوْمِكَ يا مُوسى) (٨٣)
لما قال الله عزوجل لموسى عليهالسلام (وَما أَعْجَلَكَ عَنْ قَوْمِكَ يا مُوسى) أضرب موسى عليهالسلام عن الجواب ، وجوابه أن يقول : أعجلني كذا وكذا ويبين ، ف :
(قالَ هُمْ أُولاءِ عَلى أَثَرِي وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضى) (٨٤)
(قالَ هُمْ أُولاءِ عَلى أَثَرِي) يشير إلى حكم الأتباع ، ثم ذكر عجلته فقال (وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضى) أي سارعت إلى إجابة دعائك حين دعوتني ، وقومي على أثري ، فعجل موسى عليهالسلام للأمر ليكون من المسارعين إلى الخيرات ، وإلا لو عجل من غير أمر لكانت عجلته إلى هواه ، وهو عليهالسلام كان من العارفين المحققين ، وإنما عجل للأمر الإلهي. فقال عزوجل :
(قالَ فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِنْ بَعْدِكَ وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ) (٨٥)
(فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِنْ بَعْدِكَ) أي اختبرناهم (وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ) بالعجل الذي قال لهم في شأنه (هذا إِلهُكُمْ وَإِلهُ مُوسى) وسبب ذلك أنه لما مشى مع موسى عليهالسلام ، كشف الله عن بصره حتى أبصر الملك الذي هو على صورة الثور من حملة العرش ، فتخيل أنه إله موسى الذي يكلمه ، فأخرج لهم العجل ، وعلم أن قلوبهم تابعة لأموالهم ، فصاغ لهم العجل بمرآى منهم من حليهم ، فسارعوا إلى عبادته حين دعاهم إلى ذلك ـ إشارة ـ فتن قوم موسى من بعده ، ضيافة من السيد لعبده ، فإن ابتلاءه بذلك ضيافته ، ولا يبتلى مثل الأنبياء إلا في ربه ، ولا بد للقادم من كرامة ، فكانت كرامته ما أصابه من الغيرة في حق الله حين رجع إلى قومه ، فوجدهم قد عبدوا غيره ، فكانت منزلته على قدر غيرته ،