لما ظهر موسى عليهالسلام على أخيه هارون عليهالسلام بصفة القهر ، بأن أخذ برأسه يجره إليه ، ناداه بأشفق الأبوين فقال (يَا بْنَ أُمَّ) فناداه بالرحم وهي الأم ، إذ كانت الرحمة للأم دون الأب أوفر في الحكم ، ولو لم يلق موسى الألواح ما أخذ برأس أخيه ، فإن في نسختها الهدى والرحمة تذكرة لموسى ، فكان يرحم أخاه بالرحمة ، وتتبين مسألته مع قومه بالهدى (إِنِّي خَشِيتُ) لما وقع ما وقع من قومك أن تلومني على ذلك وتقول (فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ) أي تلزم (قَوْلِي) الذي أوصيتك به ، فتجعلني سببا في تفريقهم ، فإن عبادة العجل فرقت بينهم ، فكان منهم من عبده اتباعا للسامري وتقليدا له ، ومنهم من توقف عن عبادته حتى يرجع موسى إليهم فيسألونه في ذلك ، فخشي هارون أن ينسب ذلك الفرقان بينهم إليه ، ولما سكت عن موسى الغضب قبل عذر أخيه وأخذ الألواح ، فما وقعت عيناه مما كتب فيها إلا على الهدى والرحمة ، فقال (رب اغفر لي ولأخي وأدخلنا في رحمتك وأنت أرحم الراحمين). وأما الذين عبدوا العجل فما أعطوا النظر الفكري حقه للاحتمال الداخل في القصة ، فما عذرهم الحق ولا وفّى عابدوه النظر في ذلك ، ثم ردّ موسى وجهه إلى السامري.
(قالَ فَما خَطْبُكَ يا سامِرِيُّ) (٩٥) أي ما حديثك يا سامري.
(قالَ بَصُرْتُ بِما لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ فَنَبَذْتُها وَكَذلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي) (٩٦)
(قالَ) له السامري (بَصُرْتُ بِما لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ) وهو ما رآه من صورة الثور الذي هو أحد حملة العرش ، فظن أنه إله موسى الذي يكلمه ، فلذلك صنعت لهم العجل ، وعلمت أن جبريل ما يمر بموضع إلا حيي به لأنه روح ، (فَقَبَضْتُ) لذلك (قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ) جبريل ، لعلمه بتلك القبضة ، (فَنَبَذْتُها) في العجل فخار (وَكَذلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي) فما فعله السامري إلا عن تأويل ، فضل وأضل. من ذلك تعلم أن حياة الأرواح ذاتية ، ولهذا يكون كل ذي روح حيا بروحه ، قال ابن عباس : ما وطىء جبريل عليهالسلام قط موضعا من الأرض