إلا حيي ذلك الموضع ؛ وما يطؤه الروح يعطي الحياة في أي صورة مركبة ، فلما أبصر السامري جبريل عليهالسلام حين جاء لموسى عليهالسلام وعرفه ، وعلم أن روحه عين ذاته ، وأن حياته حياة ذاتية ، فلا يطؤ موضعا إلا حيي ذلك الموضع بمباشرة تلك الصورة الممثلة إياه ، وعلم أن وطأته يحيا بها ما وطئه من الأشياء ، فقبض قبضة من أثر الرسول ، بالصاد أو الضاد ، أي بملء أو بأطراف أصابعه ، فلما صاغ العجل وصوره ، نبذ فيه تلك القبضة فحيي ذلك العجل وخار ، إذ صوت البقر إنما هو خوار ، وكان ذلك من إلقاء الشيطان في نفس السامري ، لأن الشيطان يعلم منزلة الأرواح ، فوجد السامري في نفسه هذه القوة ، وما علم أنها من إلقاء إبليس ، فقال (وَكَذلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي) وفعل ذلك إبليس من حرصه على إضلاله بما يعتقده من الشريك لله تعالى.
(قالَ فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَياةِ أَنْ تَقُولَ لا مِساسَ وَإِنَّ لَكَ مَوْعِداً لَنْ تُخْلَفَهُ وَانْظُرْ إِلى إِلهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عاكِفاً لَنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنْسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفاً) (٩٧)
وإذا حرقه ونسفه لم ينتفع به ، فإنه لو أبقاه دخلت عليهم الشبهة بما يوجد في الحيوان من الضرر والنفع ، فحرقه ثم نسف رماد تلك الصورة في اليم نسفا.
(إِنَّما إِلهُكُمُ اللهُ الَّذِي لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً) (٩٨)
هذا التوحيد هو الثامن عشر في القرآن ، وهو توحيد السعة من توحيد الهوية ، وهو توحيد تنزيه ، لئلا يتخيل في سعته الظرفية للعالم ، فقال إن سعته علمه بكل شيء لا أنه ظرف لشيء ، وسبب هذا التوحيد لما جاء في قصة السامري قوله عن العجل لما نبذ فيه ما قبضه من أثر الرسول ، فكان العجل ظرفا لما نبذ فيه ، فلما خار العجل قال السامري (هذا إلهكم وإله موسى) فقال موسى (إِنَّما إِلهُكُمُ اللهُ الَّذِي لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) لا تركيب فيه ، وسع كل شيء علما «أي هو عالم بكل شيء» أكذب السامري في قوله ، ونصب لهم الدلالة على كذب السامري مع كون العجل خار.