(يَوْمَئِذٍ لا تَنْفَعُ الشَّفاعَةُ إِلاَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلاً (١٠٩) يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً) (١١٠)
فهو سبحانه لا يحيط به علم ، تقدّس وتعالى عن أن يحيط به علم الممكن أو تكون ذاته تعطي الإحاطة فهو المحيط ولا يحيط به شيء ، إذ لو أحاط به شيء لحصره ذلك الشيء ، فإن القوى الحسية والخيالية تطلبه بذواتها لترى موجدها ، والعقول تطلبه بذواتها وأدلتها من نفي وإثبات ووجوب وجواز وإحالة لتعلم موجدها ، فخاطب الحواس والخيال بتجريده الذي دلت عليه أدلة العقول (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) والحواس تسمع ، فحارت الحواس والخيال وقالت : ما بأيدينا منه شيء ، وخاطب العقول بتشبيهه الذي دلت عليه الحواس والخيال (وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) والعقول تسمع ، فحارت العقول وقالت : ما بأيدينا منه شيء ، فعلا عن إدراك العقول والحواس والخيال ، وانفرد سبحانه بالحيرة في الكمال ، فلم يعلمه سواه ولا شاهده غيره ، فلم يحيطوا به علما ولا رأوا له عينا ، فآثار تشهد ، وجناب يقصد ، ورتبة تحمد ، وإله منزه ومشبه يعبد ، لأنه المجهول الذي لا يعرف ، ولا يقال هو النكرة التي لا تتعرّف ، قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم [اعبد الله كأنك تراه] فأمر المكلف بالاستحضار ، فإنه يعلم أن لا يستحضر إلا من يقبل الحضور ، فاستحضار العبد ربه في العبادة عين حضور المعبود له ، فإن لم يعلمه إلا في الحد والمقدار حدّه وقدّره ، وإن علمه منزها عن ذلك لم يحده ولم يقدره مع استحضاره كأنه يراه ، وإنما لم يحدّه ولم يقدّره العارف به لأنه يراه جميع الصور ، فمهما حده بصورة عارضته صورة أخرى ، فانخرم عليه الحد ، فلم ينحصر له الأمر لعدم إحاطته بالصور الكائنة وغير الكائنة له ، فلم يحط به علما كما قال (وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً) فإذا عرفوا أنهم لا يحيطون به علما خضعوا فقال تعالى : ـ
(وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ وَقَدْ خابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْماً) (١١١)
الوجوه منا المراد بها حقائقنا ، إذ وجه كل شيء ذاته ، وكل ما خلق الله من العالم فإنما خلقه الله على كماله في نفسه ، فذلك الكمال وجهه ، فالوجوه هنا أعيان الذوات وحقائق