الموجودات ، إذ وجه كل شيء حقيقته وذاته ، فعنت الوجوه أي خضعوا وذلوا ، وطلبوا الزيادة من العلم فيما لا علم لهم به منه ، وهو العلم بالله عن طريق التجلي والذوق ، ولذلك قال : عنت أي ذلت ، فلما تجلى اسمه «الحي» حييت الموجودات «والقيوم» فقامت به الأرض والسموات ومن فيهن من عوالم البقاء والاستحالات ، فعنت لحياته الوجوه وسجدت لقيوميته الجباه ، وأقنعت لعظمته الرؤوس وتحركت بذكره الشفاه (وَقَدْ خابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْماً).
(وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلا يَخافُ ظُلْماً وَلا هَضْماً (١١٢) وَكَذلِكَ أَنْزَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا وَصَرَّفْنا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْراً (١١٣) فَتَعالَى اللهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً) (١١٤)
الوحي وحيان : وحي قرآن ووحي فرقان ؛ ووحي القرآن هو الأول فإن القرآن حصل عند رسول الله صلىاللهعليهوسلم مجملا غير مفصل الآيات والسور ، فلما أوحى الله إلى محمد صلىاللهعليهوسلم كان يعجل بالقرآن حين كان ينزل عليه جبريل عليهالسلام بالفرقان ، قبل أن يقضى إليه وحيه ، ليعلم بالحال أن الله تولى تعليمه من الوجه الخاص الذي لا يشعر به الملك ، وجعل الله الملك النازل بالوحي صورة حجابية ، فقيل له (وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ) الذي عندك فتلقيه مجملا فلا يفهم عنك (مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضى إِلَيْكَ وَحْيُهُ) فرقانا مفصلا ، فأمر صلىاللهعليهوسلم بالتأني عند الوحي أدبا مع المعلم الذي أتاه به من قبل ربه ، فهو صلىاللهعليهوسلم مصغ تابع للملك هنا ، وقد قال تعالى له فيما أوحى إليه (لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ) كذلك أدبا مع أستاذه جبريل (وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً) بتفصيل ما أجملته فيّ من المعاني ، فما أشرف العلم ، فهو الصفة الشريفة التي أخبر الله تعالى نبيه محمدا صلىاللهعليهوسلم وسلم بالزيادة منها ، ولم يقل ذلك في غيره من الصفات ، فإن فيه الشرف التام ، وليس في الصفات أعم منه تعلقا ، لتعلقه بالواجبات والجائزات والمستحيلات ، وغيره من الصفات ليس كذلك ، وحدّ العلم