رسوله وما يريده منه ، فكان رسول الله صلىاللهعليهوسلم إذا أقبل عليه هؤلاء الأعبد قال صلىاللهعليهوسلم [مرحبا بمن عتبني فيهم ربي] ويمسك نفسه معهم في المجلس حتى يكونوا هم الذين ينصرفون ، ولم تزل هذه أخلاقه صلىاللهعليهوسلم بعد ذلك إلى أن مات ، فما لقيه أحد بعد ذلك فحدثه إلا قام معه حتى يكون هو الذي ينصرف ، وكذلك إذا صافحه شخص لم يزل يده من يده حتى يكون الشخص هو الذي يزيلها ، هكذا رويناه من أخلاقه صلىاللهعليهوسلم ـ فائدة ـ إن كان العبد قوي الإيمان ، غير متبحر في التأويل ، خائضا في بحر الظاهر ، لا يصرفه للمعاني الباطنة صارف ، انتفع بالذكرى ، فإن تأول تردى وأردى من اتبعه ، وكان من الذين اتبعوا أهواءهم ، وكان أمر من هذه صفته فرطا فإن النفوس مجبولة على حب إدراك المغيبات ، واستخراج الكنوز وحل الرموز ، وفتح المغاليق والبحث عن خفيات الأمور ودقائق الحكم ، ولا ترفع بالظاهر رأسا ، فإن ذلك في زعمها أبين من فلق الصبح ، ومن أحكم الظاهر كشف الله له عند ذلك في هذه الظواهر ما لا يخطر بخاطر أحد ، ويعظم قدره وتظهر حكمته وكثرة خيره ، ويعلم الجاهل عند ذلك أنه ما كان يحسبه هينا هو عند الله عظيم ، فإن الجاهل بالظاهر بالباطن أجهل ، فإنه الدليل عليه ، وإن فرط في تحصيل الأول كان في تحصيل الآخر أشد تفريطا ـ نصيحة ـ الزم باب الله واصبر نفسك مع أحبابه الذين تحقرهم العيون ، فذلك الذي رفعهم عند الحق.
(وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنا لِلظَّالِمِينَ ناراً أَحاطَ بِهِمْ سُرادِقُها وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغاثُوا بِماءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرابُ وَساءَتْ مُرْتَفَقاً) (٢٩)
(وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ) ـ الوجه الأول ـ أي لا تأخذكم في الله لومة لائم ، وهو قوله تعالى (إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلاغُ) وقوله تعالى (لَيْسَ عَلَيْكَ هُداهُمْ) و (إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ) ـ الوجه الثاني ـ وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ، ومن شاء الله أن يكفر فليكفر ، فإنهم ما يشاؤون إلا أن يشاء الله رب العالمين ، ثم ذكر تعالى ما للظالمين عند الله في الآخرة فقال تعالى (إِنَّا أَعْتَدْنا لِلظَّالِمِينَ ناراً