حيث أنه جحد هو أثر طبيعي ، ومن حيث ما هو جحد بكذا هو حكم طبيعي لا أثر ، فهذا الفرق بين حكم الطبيعة وبين أثرها ، والنسيان من أثرها والتناسي من حكمها ، والغفلة من أثرها والتغافل من حكمها ، وقليل من العلماء بالله من يفرق بين حكم الطبيعة وأثرها ، فاجتمع في آدم حكم الطبيعة بالجحد ، لأنه الأول الجامع في ظهره للجاحدين من أبنائه ، لأن آدم إنسان كامل ، وكذا النسيان الواقع منه هو من أثر الطبيعة وحكم الأبناء ، فإنه حامل في ظهره للناسين من أبنائه ، فحكموا عليه بالنسيان ، وسرى الجحد والنسيان في بني آدم من جحد آدم ونسيانه جبرا لقلب آدم ، قال تعالى (وَلَقَدْ عَهِدْنا إِلى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ) والذي نسي آدم إنما هو قوله تعالى (هذا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ) فنسي ما أخبره الله به من عداوته ، فقبل نصيحته ، فنسيان آدم عليهالسلام إنما كان أخبره الله تعالى به من عداوة إبليس ، وما تخيل آدم عليهالسلام أن أحدا يقسم بالله كاذبا ، فلما أقسم بالله إنه ناصح لهما فيما ذكره لهما ، تناولا من الشجرة المنهي عنها ، وفي هذا تنبيه في أن الاجتهاد لا يسوغ مع وجود النص في المسئلة ، وربما وقعت المعصية بتأويل منه ، ولو نسي النهي ما عوقب أصلا ، وإنما نسي ما ذكرناه ، وفي عداوة إبليس لحواء بشرى لها بالسعادة لأنها لو كانت من حزب الشيطان ما كان عدوا لها (وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً) وهو عمل الباطن ، فبرأ الحق باطن آدم من المعصية ، وكان عند الله وجيها مجتبى ، قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم [نسي آدم فنسيت ذريته ، وجحد آدم فجحدت ذريته] وهذا حديث بشرى من النبي صلىاللهعليهوسلم ، فإن آدم رحمهالله فرحمت ذريته ، حيثما كانوا جعل لهم رحمة تخصهم ، بأي دار أنزلهم الله تعالى.
(وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى (١١٦) فَقُلْنَا يَا آدَمُ إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَّكَ وَلِزَوْجِكَ فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى (١١٧) إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَى (١١٨) وَأَنَّكَ لَا تَظْمَأُ فِيهَا وَلَا تَضْحَى) (١١٩)
الترتيب في الظاهر على خلاف ذلك ، ولكن الحكمة في ذلك أن الحرارة سبب الظمأ ، فقرنه بالضحى ، والجوع تعرية باطن الحيوان ، فذلك قرنه بتعرية ظاهر الأبدان.