(٢١) سورة الأنبياء مكيّة
بسم الله الرّحمن الرّحيم
(اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ) (١)
اعلم أنه ما أتي على أحد إلا من الغفلة عما يجب عليه من الحقوق ، التي أوجب الشرع عليه أداءها ، فمن أحضرها نصب عينيه وسعى جهده في أدائها ، ثم حالت بينه وبين أدائها موانع تقيم له العذر عند الله ، فقد وفى الأمر حقه ووفى الله بذمته ، ولا حرج عليه ولا جناح ، ولا خاطبه الحق بوجوب حق عليه مع ذلك المانع ، وأما إذا تغافل حتى أوجب له ذلك التغافل الغفلة آخذه الله بها ، فإنه متعمل قاصد فيما يحول بينه وبين ما أوجب الله عليه فعله وتركه ، فما بقي لظهور الساعة؟ ووجود آدم من شروط اقترابها ، فهذا أوان الساعة قد اقترب ، ولو أزال الناس الغفلة لتنبهوا ، ولو تنبهوا لسمعوا خطاب البهائم.
(ما يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلاَّ اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ) (٢)
(ما يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ) ليس الذكر إلا القرآن ، وما هو إلا كلام الله المنعوت بالقدم فالذي جاءهم إنما هو المتكلم به ، (مِنْ رَبِّهِمْ) من سيدهم ومالكهم ومصلحهم ومغذيهم (مُحْدَثٍ) فوصف الحق الذكر بالحدوث وإن كان كلامه قديما ، فحدث عندنا الذكر لا في نفسه تعالى ، والذكر هنا هو المتكلم به لا عين الكلام ، فالكلام موصوف بالقدم لأنه راجع إلى ذات المتكلم إذا أردت كلام الله ، والمتكلم به ما هو عين الكلام ، وقد يكون المتكلم به معنى وقد يكون غير معنى ، ثم إن ذلك المعنى قد يكون قديما وقد يكون حادثا ، فالمتكلم به أيضا لا يلزم قدمه ولا حدوثه إلا من حيث إسماع المخاطب ، فإنه سمع أمرا لم يكن سمعه قبل ذلك فقد حدث عنده ، فعلى الحقيقة إتيان الذكر على من أتى عليه هو حادث بلا شك ، لأن ذلك الإتيان الخاص لم يكن موصوفا بالوجود ، وإن كان الآتي أقدم من إتيانه لا من