بالصفة الجامعة بينهما ، فلكل قلب قرآن من حيث صفته مجدد الإنزال لا مجدد العين ـ راجع سورة البقرة آية ١٢٢ ـ ولما كان الاسم الرب لا يرد إلا مقيدا فإذا كان حدوث القرآن في الإنزال على القلب من الرب ينزل مقيدا ولا بد ، فيكون عند ذلك قرآنا كريما ، أو قرآنا مجيدا ، أو قرآنا عظيما ، ويكون القلب النازل عليه بمثل ما نزل عليه من الصفة عرشا عظيما ، أو عرشا كريما ، وإذا حدث نزوله من الرحمن على القلب (ما يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنَ الرَّحْمنِ مُحْدَثٍ) لم يتقيد بإضافة أمر خاص ، فكان القلب له عرشا غير مقيد بصفة خاصة ، بل له مجموع الصفات والأسماء ، فإن الاسم الرحمن له الإطلاق فكما أن الرحمن له الأسماء الحسنى ، لهذا العرش النعوت العلى بمجموعها فإن القرآن إذا نزل على قلب عبد وظهر فيه حكمه واستوى عليه بجميع ما هو عليه مطلقا كان خلقا لهذا القلب ، فما من آية في القرآن إلا ولها حكم في قلب هذا العبد ، لأن القرآن لهذا نزل ، ليحكم لا ليحكم عليه.
(لاهِيَةً قُلُوبُهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا هَلْ هذا إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُكُمْ أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ (٣) قالَ رَبِّي يَعْلَمُ الْقَوْلَ فِي السَّماءِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (٤) بَلْ قالُوا أَضْغاثُ أَحْلامٍ بَلِ افْتَراهُ بَلْ هُوَ شاعِرٌ فَلْيَأْتِنا بِآيَةٍ كَما أُرْسِلَ الْأَوَّلُونَ (٥) ما آمَنَتْ قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها أَفَهُمْ يُؤْمِنُونَ (٦) وَما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ إِلاَّ رِجالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) (٧)
أهل الذكر هم أهل القرآن أهل الله وخاصته ، وأهل القرآن هم الذين يعملون به ـ راجع سورة النحل آية ٤٣ ـ.
(وَما جَعَلْناهُمْ جَسَداً لا يَأْكُلُونَ الطَّعامَ وَما كانُوا خالِدِينَ) (٨)
الصور المحسوسة التي تظهر فيها الروحانيات تسمى أجسادا ، ولا يكون غذاؤها