تبعا ، وإن لم يكن كذلك فسد الأمر والنظام ، فلا يصح إقامة ملك بين مدبرين ، وإن اتحدت إرادتهما ، ولما كان لا يصح عقلا ولا شرعا تدبير ملك بين أميرين متناقضين في أحكامهما وإن فرض اتحاد الإرادة في حق المخلوقين فإن حكم العادة يأبى ذلك والشرع في حق هذين الأميرين ، لم يرد الله تعالى أن يدبر هذا الملك إلا واحد ، وصرح بذلك على لسان رسوله صلىاللهعليهوسلم (إذا بويع لخليفتين فاقتلوا الآخر منهما) شعر :
جمع الأنام على إمام واحد |
|
عين الدليل على الإله الواحد |
فجعل الله للناس إماما في الظاهر واحدا يرجع إليه أمر الجميع لإقامة الدين ، وأمر عباده أن لا ينازعوه ، ومن ظهر عليه ونازعه أمرنا الله بقتاله ، لما علم أن منازعته تؤدي إلى فساد في الدين الذي أمرنا الله بإقامته ، وأصله قوله تعالى : (لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللهُ لَفَسَدَتا) فمن هناك ظهر اتخاذ الإمام وأن يكون واحدا في الزمان ظاهرا بالسيف.
(لا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْئَلُونَ) (٢٣)
لله الحجة البالغة في قوله : (لا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ) فإنه ما فعل من نفسه ابتداءا وإنما فعل بك في وجودك ما كنت عليه في ثبوتك. ولهذا قال : (وَهُمْ يُسْئَلُونَ) وقد أطلعهم الله عند ذلك على ما كانوا عليه وأن علمه ما تعلق بهم إلا بحسب ما هم عليه فيعرفون إذا سئلوا أنه تعالى ما حكم فيهم إلا بما كانوا عليه ، وإذا سئلوا وهم يشهدون اعترفوا فيصدق قوله : (فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ) ولكن أكثر الناس لا يعلمون» فإن سر القدر هو كون العبد مجبورا في اختياره ، ومع أن الله فاعل مختار فإن ذلك من أجل قوله : (وَيَخْتارُ) وقوله : (وَلَوْ شِئْنا) ولا يفعل إلا ما سبق به علمه ، وتبدل العلم محال ، فمن تفطن للقول الإلهي فإن معناه في غاية البيان ولشدة وضوحه خفي ، ومن وقف على هذه المسألة لم يعترض على الله في كل ما يقضيه ويجريه على عباده ، وفيهم ومنهم ، ولهذا قال : (لا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْئَلُونَ) فلو كنت عاقلا تفهم من الله كفتك هذه الآية في المقصود ، فإن هذه الآية متعلقة بالقهر والجبروت وإثبات الملك ، فإذا ثبتت هذه الأوصاف في قلب العبد استحال عليه طلب العلة ، وكل ما يكون فيه اعتراض ، فإن أفعال الحق لا ينبغي أن تعلل ، فإنه