ما ثم علة موجبة لتكوين شيء إلا عين وجود الذات وقبول عين الممكن لظهور الوجود ، فالأزل لا يقبل السؤال عن العلل ، ولا يصدر ذلك إلا من جاهل بالله ـ الوجه الثاني ـ (لا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ) في عباده مثل المصادرة إذا لم تقع عن حساب أو تجاوز في الأخذ حد الاستحقاق ، وكذا القهر والإرعاد والإبراق والأخذ والرحمة والعفو والتجاوز والانتقام والحساب (وَهُمْ يُسْئَلُونَ) للأخذ والتجاوز بعد التقرير والحساب والسئوال ، فلله الحجة البالغة ـ تحقيق ـ من احتج عليك بما سبق فقد حاجك بحق ، ومع هذا فهي حجة لا تنفع قائلها ، ولا تعصم حاملها ، ومع كونها ما نفعت سمعت وقيل بها ، وإن عدل في الشرع عن مذهبها ، فإنه لا يسأل عما يفعل وهم يسألون ولكن أكثر الناس لا يشعرون.
(أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً قُلْ هاتُوا بُرْهانَكُمْ هذا ذِكْرُ مَنْ مَعِيَ وَذِكْرُ مَنْ قَبْلِي بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ الْحَقَّ فَهُمْ مُعْرِضُونَ (٢٤) وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدُونِ) (٢٥)
هذا هو التوحيد التاسع عشر في القرآن وهو توحيد الاقتدا والتعريف ، وهو توحيد الأناية ، وما ثم من الأعمال السارية في كل نبوة إلا إقامة الدين والاجتماع عليه ، وكلمة التوحيد ، فقال تعالى : (وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ) وبوب البخاري على هذا ما جاء أن الأنبياء دينهم واحد وليس إلا التوحيد وإقامة الدين والعبادة ، ففي هذا اجتمعت الأنبياء عليهمالسلام ، واختصاص هذا الوحي بالأناية (أنا) دل على أنه كلام إلهي بحذف الوسائط ، فما أوحى إليهم منهم ، فإنه لا يقول (أنا) إلا من هو متكلم ، فإن قيل فقد قال إنه ينزل بمثل هذا الملائكة ، فهذا لا يبعد أن تأخذه الرسل من وجهين إذا نزلت به الملائكة يكون على الحكاية ، وإذا ورد مثل هذا معرى عن القرائن أو النص عليه حمل على ما هو الأصل عليه ، فما يقول أنا إلا المتكلم وهنا يقول الحق لرسوله صلىاللهعليهوسلم عليه وسلم معرضا كذا فكن أنت مثل من سبقك من الرسل ، وجاء بالعبادة ولم يذكر الأعمال المعينة ، فإنه قال : (لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا) وهي الأعمال التي ينتهي فيها مدة الحكم المعبر عنه بالنسخ.