(وَقالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمنُ وَلَداً سُبْحانَهُ بَلْ عِبادٌ مُكْرَمُونَ (٢٦) لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ (٢٧) يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ وَلا يَشْفَعُونَ إِلاَّ لِمَنِ ارْتَضى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ) (٢٨)
قوله تعالى : (وَلا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضى) في الشفاعة يوم القيامة ، فأذن تعالى في السؤال وهو لا يأذن وفي نفسه أن لا يقبل سؤال السائل.
(وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلهٌ مِنْ دُونِهِ فَذلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ) (٢٩)
اعلم أنه ما في علمي أن أحدا يقع منه هذا القول وهو يجوع ويمرض ويغوط وأمثال هذا إلا فرعون لما استخف قومه ، وأما قوله : (مِنْ دُونِهِ) أي نزولا عن المرتبة التي لله ، وهذا مثل قولهم : (ما نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللهِ زُلْفى) فهو وإن كان أنزل منه في الرتبة فهو عنده أنه إله ، وقد أثبت جهله بقوله من دونه فإنه أثبت الغير بقوله من دونه ، فأخبر الله أن جزاء هذا القائل يكون غاية البعد لأن من قال : (إِنِّي إِلهٌ) قد جعل نفسه في غاية القرب فكان جزاؤه غاية البعد عن سعادته في جهنم ، فينزل إلى قعرها ، وجهنم من جهنام يقال بئر جهنام إذا كانت بعيدة القعر ، وهنا تنبيه حيث قرن هذا الحال بالقول لا بالعلم والحسبان ، فإن قال قائل ما نظن أنه قد علم أن الأمر كذا فتخيل أن قوله مطابق لعلمه وهذا يستحيل وقوعه من أحد علما لعلمه بذاته وافتقاره وقصوره في نفسه ـ تحقيق ـ كما أن لكل أجل كتاب فلكل عمل جزاء ، والقول عمل فله جزاء ، إن الله عند لسان كل قائل ، وليس بعد الخواطر أسرع عملا منه ، أعني من اللسان ، فالقول أسرع الأعمال ، ولا يتولى حساب صاحبه إلا أسرع الحاسبين ، لأن متولي الحساب على الأعمال من الأسماء الإلهية ما يناسب ذلك.
(أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ كانَتا رَتْقاً فَفَتَقْناهُما وَجَعَلْنا