مِنَ الْماءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلا يُؤْمِنُونَ) (٣٠)
(كانَتا رَتْقاً) ـ الوجه الأول ـ أي غير متميزة (فَفَتَقْناهُما) أي ميزنا بعضها عن بعض ليميز أعيانها ففتق الأرض بما أخرج فيها من معدن ونبات وحيوان ، فكان إيجادا عند دوران الأفلاك بعد تقدير ـ الوجه الثاني ـ اعلم أن الله تعالى قد جعل هذه الأرض بعد ما كانت رتقا كالجسم الواحد كما كانت السماء ، ففتق رتقها وجعلها سبعة أطباق كما فعل بالسموات ، فقوله تعالى : (كانَتا رَتْقاً) أي كل واحدة منهما مرتوقة ، (فَفَتَقْناهُما) يعني فصل بعضها من بعض حتى تميزت كل واحدة عن صاحبتها ، كما قال : (خَلَقَ سَبْعَ سَماواتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ) أي فصل كل سماء على حدة بعد ما كانت رتقا ، إذ كانت دخانا فإن الحق استوى إلى السماء وكانت واحدة ، ففتقها وسواها سبع سموات طباقا ، فدارت بأفلاكها وفتق الأرض إلى سبع أرضين ، سماء أولى لأرض أولى ، وثانية لثانية إلى سبع ، ولما كان الأصل في وجودها الماء لهذا قال : (وَجَعَلْنا مِنَ الْماءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ) تنسب عندنا الحياة لكل حي بحسب حقيقة المنعوت بها ، وما في العالم إلا حي ، لا كمن لا يرى الحياة إلا في غير الجماد والنامي ، فالجماد في نظرك هو حي في نفس الأمر ، وأما الموت فهو مفارقة حي مدبّر لحي مدبّر ، فالمدبر والمدبر حي ، والمفارقة نسبة عدمية لا وجودية ، إنما هو عزل عن ولاية ، فكل شيء حي ، فإن كل شيء مسبح لله بحمده ، وهذا الماء هو الماء الذي هو أصل في وجود كل شيء وبه حياته ، ولحياته وصف بالتسبيح ، وهو غير هذا الماء المركب البسيط المعه د ، فالماء أصل الحياة في الأشياء ، فهو سر الحياة ، حتى العرش لما خلقه الله ما كان إلا على الماء ، فسرت الحياة فيه منه ، ومن هذا الماء كانت حياة الجان وهم لا يشعرون ، وحياة العرش وما حوى عليه من المخلوقات ، فإن الله يقول : (وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ) فجاء بالنكرة ، ولا يسبح إلا حي ، وأما الماء العنصري فأصله من نهر الحياة الطبيعية الذي فوق الأركان ، وهو الذي ينغمس فيه جبريل كل يوم غمسة ، وينغمس فيه أهل النار إذا خرجوا منها بالشفاعة ، فهو الماء الذي قال تعالى فيه : (وَجَعَلْنا مِنَ الْماءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ) ثم سرت منه الحياة في الماء العنصري ، وأما في عالم الاستحالة فاعلم أن العرش الملك ، وما تم الملك وكمل إلا في عالم الاستحالة ، وهو عالم الأركان الذي أصله