الماء ، والماء هو الركن الأعظم من العناصر الأربعة وهي الماء والهواء والنار والتراب ، ولو لا عالم الاستحالة ما كان الله يصف نفسه بأنه كل يوم في شأن ، فالعالم يستحيل والحق في شأن حفظ وجود أعيانه يمده بما به بقاء عينه من الإيجاد ، فهو الشأن الذي هو الحق عليه ، فلما كان الماء أصلا لكل حي قال تعالى : (وَجَعَلْنا مِنَ الْماءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ) فالماء أصل العناصر والاسطقسات (١) ، وهو أصل لكل حياة عرضية لا ذاتية ، فبالماء حياة الأحياء لما فيه من سر الإحياء ، فإن الله جعل الماء رزقا لكل حي لأنه بارد رطب ، والعالم في عينه غلبت عليه الحرارة واليبوسة ، وسبب ذلك أن العالم مقبوض عليه قبضا لا يتمكن له الانفكاك عنه ، لأنه قبض إلهي واجب على كل ممكن ، فلا يكون إلا هكذا ، والانقباض في المقبوض يبس بلا شك ، فغلب عليه اليبس ، فهو يطلب بذاته لغلبة اليبس ما يلين به ويرطب ، فتراه محتاجا من حيث يبسه إلى الرطوبة ، وأما احتياجه إلى البرودة لأن العالم ممكن لا يصح له أن يكون مطلق الوجود يفعل ما يريد ، وهو يريد هذه المرتبة ولا ينال مطلوبه ، فيدركه الغبن فيحمى ، فتغلب الحرارة عليه فيتأذى ، فيخاف الانعدام فيجنح إلى طلب البرودة ليسكن بها ما يجده من ألم الحرارة ويحيي بها نفسه ، ويبس القبض الذي هو عليه يطلب الرطوبة ، فنظر الاسم الرزاق في غذاء يحيا به يكون باردا ، ليقابل الحرارة وسلطانها ويكون رطبا فيقابل به سلطان اليبس ، فوجد الماء باردا رطبا فجعل منه كل شيء حي في كل صنف صنف بما يليق به ، فكل شيء من الماء عينه ومن الهواء حياته ، حتى حيوان البحر الذي يموت إذا فارق الماء ما حياته إلا بالهواء الذي في الماء ، لأنه مركب ، فيقبل الهواء بنسبة خاصة ، وهو أن يمتزج بالماء امتزاجا لا يسمى به هواء ، كما أن الهواء المركب فيه الماء وبه يكون مركبا ، لكن امتزاج الماء به امتزاجا خاصا لا يسمى به ماء ، فإذا كانت حياة الحيوان بهواء الماء مات عند فقده ذلك الهواء الخاص ، وكذلك حيوان البر إذا غرق في الماء مات لأن حياته بالهواء الذي مازجه الماء ، لا بالماء الذي مازجه الهواء ، وثم حيوان بري بحري ، وهو حيوان شامل برزخي ، له نسبة إلى قبول الهوائين ، فيحيى بالهواء كما يحيى البري
__________________
(١) الأسطقس هو الأصل بلغة اليونان وكذان العنصر بلغة العرب إلا أن إطلاق الاسطقسات عليها باعتبار أن المركبات تتألف منها وإطلاق العناصر باعتبار أنها تنحل إليها فلوحظ في إطلاق لفظ الأسطقس معنى الكون وفي إطلاق لفظ العنصر معنى الفساد (كتاب التعريفات للجرجاني) ويقال إن الاسطقسات الطبائع الأربعة.