خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ) (٣٣)
الليل والنهار فصلا اليوم ، فمن طلوع الشمس إلى غروبها يسمى نهارا ، ومن غروب الشمس إلى طلوعها يسمى ليلا ، وهذه العين المفصلة تسمى يوما ، وأظهر هذا اليوم وجود الحركة الكبرى ، وما في الوجود العيني إلا وجود المتحرك لا غير ، وما هو عين الزمان الذي تطلقه العرب وتريد به الليل والنهار ، فإن الزمان أمر متوهم لا حقيقة له ، فباختلاف الحركات الفلكية حدث زمان الليل والنهار ، وتعينت السنون والشهور والفصول ، وهذه المعبر عنها بالأزمان ، فالزمان واليوم والليل وفصول السنة كلها أمور عدمية نسبية لا وجود لها في الأعيان ، وكان التوجه من الحق على إيجاد الشمس يخالف توجهه تعالى على إيجاد القمر ، فلو كان التوجه واحدا عليهما لما اختلفت الحركات ، وهي مختلفة ، فدل أن التوجه الذي حرك القمر في فلكه ما هو التوجه الذي حرك الشمس ولا غيرها من الكواكب والأفلاك ، ولو لم يكن الأمر كذلك لكانت السرعة أو الإبطاء في الكل على السواء ، لذلك قال تعالى : (كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ) وبذلك تتميز آثارها ، فالآثار بلا شك مختلفة ، والفلك لا يكون إلا مستديرا. واعلم أن أصغر الأيام هي التي نعدها حركة الفلك المحيط ، الذي يظهر في يومه الليل والنهار ، فأقصر يوم عند العرب وهو هذا لأكبر فلك ، وذلك لحكمه على ما في جوفه من الأفلاك ، إذ كانت حركة ما دونه في الليل والنهار حركة قسرية له ، قهر بها سائر الأفلاك التي يحيط بها ، ولكل فلك حركة طبيعية تكون له مع الحركة القسرية ، فكل فلك دونه ذو حركتين في وقت واحد ، حركة طبيعية وحركة قسرية ، ولكل حركة طبيعية في كل فلك يوم مخصوص ، يعد مقداره بالأيام الحادثة عن الفلك المحيط المعبر عنها بقوله : (مِمَّا تَعُدُّونَ) وكلها تقطع في الفلك المحيط ، فكلما قطعته على الكمال كان يوما لها ، ويدور الدور ، فأصغر الأيام منها هو ثمانية وعشرون يوما مما تعدون ، وهو مقدار قطع حركة القمر في الفلك المحيط.
(وَما جَعَلْنا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخالِدُونَ (٣٤) كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنا تُرْجَعُونَ) (٣٥)