(كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ) وهو لقاء لله خاص عينه الحق ، إذ هو المشهود في كل حال ، ولكن لما عين ما شاء من المواطن وجعله محلا للقاء مخصوص رغبنا فيه ، ولا نناله إلا بالخروج من الدار التي تنافي هذا اللقاء وهي الدار الدنيا ، خيّر النبي صلىاللهعليهوسلم بين البقاء في الدنيا والانتقال إلى الأخرى فقال الرفيق الأعلى ، وورد في الخبر أنه من أحب لقاء الله يعني بالموت أحب الله لقاءه ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه ، فلقيه في الموت بما يكرهه ، وهو أن حجبه عنه وتجلى لمن أحب لقاءه من عباده. ولقاء الحق بالموت له طعم لا يكون في لقائه بالحياة الدنيا ، فالموت فراغ لأرواحنا من تدبير أجسامنا ، فلها ذوق لا يكون لها إلا بالخروج من دار الدنيا بالموت لا بالحال ، وهو أن يفارق هذا الهيكل الذي وقعت له به هذه الألفة من حين ولد وظهر به ، بل كان السبب في ظهوره ، ففرق الحق بينه وبين هذا الجسم لما ثبت من العلاقة بينهما ، وهو من حال الغيرة الإلهية على عبيده لحبه لهم ، فلا يريد أن يكون بينهم وبين غيره علاقة ، فخلق الموت وابتلاهم به تمحيصا لدعواهم في محبته فقال : (وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً) وما فتن الله من فتن من عباده إلا بحكم ما ظهر عليهم من الدعاوى فيما يتصرفون فيه أن ذلك الفعل لهم حقيقة أو كسبا ، فلو أطلعهم الله على اليد الإلهية الخالقة ورأوا نفوسهم آلات صناعية لا يمكن وقوع غير ذلك لما اختبرهم الله ، فما اختبرهم إلا ليعثروا على مثل هذا العلم فيعصموا من الدعوى فيسعدوا ، لذا قال : (وَإِلَيْنا تُرْجَعُونَ).
(وَإِذا رَآكَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلاَّ هُزُواً أَهذَا الَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ وَهُمْ بِذِكْرِ الرَّحْمنِ هُمْ كافِرُونَ (٣٦) خُلِقَ الْإِنْسانُ مِنْ عَجَلٍ سَأُرِيكُمْ آياتِي فَلا تَسْتَعْجِلُونِ) (٣٧)
(خُلِقَ الْإِنْسانُ مِنْ عَجَلٍ) هو قوله تعالى : (فخلق الإنسان عجولا) ولو رام غير العجلة ما استطاع ، فإن في طبعه الحركة والانتقال لأنها أصله ، فإن خروجه من العدم إلى الوجود نقلة ، فهو في أصل نشأته ووجوده متحرك.
(وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٣٨) لَوْ يَعْلَمُ الَّذِينَ كَفَرُوا حِينَ