في ميزان أحد ، لأنه إن قال لا إله إلا الله معتقدا لها فما أشرك ، وإن أشرك فما اعتقد لا إله إلا الله ، فلما لم يصح الجمع بينهما لم يكن لكلمة لا إله إلا الله ما يعاد لها في الكفة الأخرى ولا يرجحها شيء ، فلهذا لا تدخل الميزان ، وأما المشركون فلا نقيم لهم يوم القيامة وزنا ، أي لا قدر لهم ولا يوزن لهم عمل ولا من هو من أمثالهم ممن كذب بلقاء الله وكفر بآياته ، فإن أعمال خير المشرك محبوطة ، فلا يكون لشرهم ما يوازنه ، وأما صاحب السجلات فإنه شخص لم يعمل خيرا قط ، إلا أنه تلفظ يوما بكلمة لا إله إلا الله مخلصا فتوضع له في مقابلة التسعة والتسعين سجلا من أعمال الشر ، كل سجل منها كما بين المغرب والمشرق ، وذلك لأنه ما له عمل خير غيرها ، فترجح كفتها بالجميع وتطيش السجلات فيتعجب من ذلك ، ولا يدخل الموازين إلا أعمال الجوارح شرها وخيرها ، السمع والبصر واللسان واليد والبطن والفرج والرجل ، وأما الأعمال الباطنة فلا تدخل الميزان المحسوس ، لكن يقام فيها العدل وهو الميزان الحكمي المعنوي ، فلهذا توزن الأعمال من حيث ما هي مكتوبة (فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً) (وَإِنْ كانَ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ) يعني من العمل (أَتَيْنا بِها وَكَفى بِنا حاسِبِينَ).
(وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسى وَهارُونَ الْفُرْقانَ وَضِياءً وَذِكْراً لِلْمُتَّقِينَ) (٤٨)
الضياء ما يدرك به وما يدرك منه.
(الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَهُمْ مِنَ السَّاعَةِ مُشْفِقُونَ) (٤٩)
(الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ) اعلم أيدك الله أن عبادة الله بالغيب عين عبادته بالشهادة ، فإن الإنسان وكل عابد لا يصح أن يعبد معبوده إلا عن شهود ، إما بعقل أو ببصر أو بصيرة يشهده العابد بها فيعبده ، وإلا فلا تصح له عبادة ، فما عبد إلا مشهودا لا غائبا ، فإن أعلمه بتجليه في الصور للبصر حتى يميزه عبده أيضا على الشهود البصري ، ولا يكون ذلك إلا بعد أن يراه بعين بصيرته ، فمن جمع بين البصيرة والبصر فقد كملت عبادته ظاهرا وباطنا ، ومن قال بحلوله في الصور فذلك جاهل بالأمرين جميعا ، قال صلىاللهعليهوسلم : اعبد الله كأنك تراه ، فأمره بالاستحضار ، فإنه يعلم أنه لا يستحضر إلا من يقبل الحضور ،