السلام أنه جاد بنفسه على النار إيثارا لتوحيد ربه ، (راجع الفتوة في سورة الكهف آية ١٣) ومن صفات الفتيان والفتوة : الفتى ابن الوقت ، مخافة المقت ، لا يتقيد بالزمان ، كما لا يحصره المكان ، لا تصحب من إذا قلت له : باسم الله قال لك أين تذهب؟ ليس للفتى من الزمان ، إلا الآن ، لا يتقيد بما هو عدم ، بل له الوجود الأدوم ، زمان الحال ، لا ينقال ، لا فتى إلا عليّ ، لأنه الوصي والولي ، الفتيان رؤساء المكانة والمكان ، لهم الحجة والسلطان ، والدليل والبرهان ، عليهم قام عماد الأمر ، وهم على قدم حذيفة في علم السر ، لهم التمييز والنقد ، وهم أهل الحل والعقد ، لا ناقض لما أبرموه ، ولا مبرم لما نقضوه ، ولا مطنب لما قوضوه ، ولا مقوض لما طنبوه ، إن أوجزوا أعجزوا ، وإن أسهبوا أتعبوا ، إليهم الاستناد وعليهم الاعتماد ، الفتى هو صاحب الفتوح ، ما عنده جموح ، سهل الهوى والانقياد ، ومع هذا فهو مع من زاد بزاد وبغير زاد ، الفتى من لا يزال للعلم طالبا ، ومن الجهل هاربا.
(قالُوا فَأْتُوا بِهِ عَلى أَعْيُنِ النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ (٦١) قالُوا أَأَنْتَ فَعَلْتَ هذا بِآلِهَتِنا يا إِبْراهِيمُ (٦٢) قالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هذا فَسْئَلُوهُمْ إِنْ كانُوا يَنْطِقُونَ) (٦٣)
ـ الوجه الأول ـ (قالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هذا) أحالهم على الكبير من الأصنام على نية طلب السلامة منهم ، فإنه قال لهم : (فَسْئَلُوهُمْ إِنْ كانُوا يَنْطِقُونَ) يريد توبيخهم ، ولهذا رجعوا إلى أنفسهم وهو قوله تعالى : (وَتِلْكَ حُجَّتُنا آتَيْناها إِبْراهِيمَ عَلى قَوْمِهِ) في كل حال ، وإنما سمى ذلك كذبا لإضافة الفعل في عالم الألفاظ إلى كبيرهم ، والكبير هو الله على الحقيقة ، والله هو الفاعل المكسر للأصنام بيد إبراهيم ، فإنه يده التي يبطش بها كذا أخبر عن نفسه ، فكسر هذه الأصنام التي زعموا أنها آلهة ـ الوجه الثاني ـ لما كان الله تعالى هو الكبير بما نصبه المشركون من الآلهة لهذا قال الخليل في معرض الحجة على قومه مع اعتقاده الصحيح أن الله هو الذي كسر الأصنام المتخذة آلهة ، حتى جعلها جذاذا مع دعوى عابديها بقولهم : (ما نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللهِ زُلْفى) ، فاعترفوا أن ثم إلها كبيرا أكبر من هؤلاء ، ونسبوا الكبر له تعالى على آلهتهم ، فقال إبراهيم عليهالسلام : (بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ) فجاء بلفظ الكبير