علما مؤتى ، آتاه الله ، وعلم سليمان علم الله في المسألة ، فحكم الله في القصة حكم سليمان فهو مصيب بعين الحكم ومصيب في الاجتهاد ، وداود مصيب من وجه واحد ، وحكمه من عند الله آتاه إياه ، فهو بمنزلة المجتهد المخطىء من أمة رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فإن العلماء ورثة الأنبياء بإطلاقه صلىاللهعليهوسلم ، وقد قال في المجتهد إذا أخطأ فله أجر وإن أصاب فله أجران ، ومن رزق الفهم من المحدثات فقد رزق العلم ، وما كل من رزق علما كان صاحب فهم ، فالفهم درجة عليا في المحدثات ، وفي الفهم عن الله يقع التفاضل بين العلماء بالله ، والفهم قوة لا تتصرف إلا في المبهمات الممكنات وغوامض الأمور ، ويحتاج صاحب الفهم لمعرفة المواطن ، (وَسَخَّرْنا مَعَ داوُدَ الْجِبالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ وَكُنَّا فاعِلِينَ) داود منصوص على خلافته ، ومن أعطي الخلافة أعطي التحكم والتصرف في العالم ، فترجيع الجبال معه بالتسبيح والطير تؤذن بالموافقة ، فموافقة الإنسان أولى.
(وَعَلَّمْناهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ فَهَلْ أَنْتُمْ شاكِرُونَ (٨٠) وَلِسُلَيْمانَ الرِّيحَ عاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلى الْأَرْضِ الَّتِي بارَكْنا فِيها وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عالِمِينَ (٨١) وَمِنَ الشَّياطِينِ مَنْ يَغُوصُونَ لَهُ وَيَعْمَلُونَ عَمَلاً دُونَ ذلِكَ وَكُنَّا لَهُمْ حافِظِينَ (٨٢) وَأَيُّوبَ إِذْ نادى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ) (٨٣)
الشكوى إلى الله لا تقدح في الصبر ، ألا ترى إلى أيوب عليهالسلام سأل ربه رفع البلاء عنه بقول (أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ) أي أصاب مني ، فشكا ذلك إلى ربه عزوجل ، وقال له : (وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ) ففي هذه الكلمة إثبات وضع الأسباب ، وعرض فيها لربه برفع البلاء عنه ، فإن من النزاع الصبر على البلاء إذا لم يرفع إزالته إلى الله ، والدعاء لا يقتضي المنازعة ، فإنه ذلة وافتقار ، والنزاع رياسة وسلطنة ، فلم يقدح دعاء أيوب عليهالسلام في صبره ، وقد أثنى الله عليه بالصبر ، فقال مع ثبوت شكواه (إِنَّا وَجَدْناهُ صابِراً نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ) فذكره بكثرة الرجوع إليه في كل أمر ينزل به ، فمن حبس نفسه عند الضر النازل