رَحْمَتِنا إِنَّهُمْ مِنَ الصَّالِحِينَ (٨٦) وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغاضِباً فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنادى فِي الظُّلُماتِ أَنْ لا إِلهَ إِلاَّ أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ) (٨٧)
(وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغاضِباً) كان غضب يونس عليهالسلام لله ومن أجله ، فلما ذهب مغاضبا (فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ) أي ظن أن الله لا يضيق عليه من سعة رحمة الله فيه ، وما نظر ذلك الاتساع الإلهي الرحماني في حق غيره ، فتناله أمته واقتصر به على نفسه ، وكذلك فعل الحق ، ففرج الله عنه بعد الضيق ليعلم قدر ما أنعم الله به عليه ، بعد أن أسكن بطن الحوت ما شاء الله لينبهه الله على حالته ، حين كان في بطن أمه من كان يدبره فيه ، وهل كان في ذلك الموطن يتصور منه أن يغاضب أو يغاضب ، بل كان في كنف الله لا يعرف سوى ربه ، فرده إلى هذه الحالة في بطن الحوت تعليما له بالفعل لا بالقول ، (فَنادى فِي الظُّلُماتِ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ) عذرا عن أمته ، أي تفعل ما تريد وتبسط رحمتك على ما تشاء (سُبْحانَكَ) حيث كنت (إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ) ما أنت ظلمتني ، وهذا هو التوحيد العشرون في القرآن وهو توحيد الغم ، وهو توحيد المخاطب «أنت» وهو توحيد التنفيس.
(فَاسْتَجَبْنا لَهُ وَنَجَّيْناهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ) (٨٨)
ظن يونس عليهالسلام بالله خيرا فاستجاب له فنجاه من الغم وقذفه الحوت من بطنه على ساحل اليم مولودا على الفطرة ، وأنبت عليه اليقطين لنعمته ولنفور الذباب عن حوزته ، ونفس الله عن يونس بالخروج من بطن الحوت ، وأرضاه في أمته ، إذ كان غضبه لله ومن أجله ، وظنه بربه أنه لا يضيق عليه ، وكذلك فعل ، فانظر في هذه العناية الإلهية بهذا النبي وما جاء به من الاعتراف في توحيده ، (وَكَذلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ) يعني الصادقين في أحوالهم.
(وَزَكَرِيَّا إِذْ نادى رَبَّهُ رَبِّ لا تَذَرْنِي فَرْداً وَأَنْتَ خَيْرُ الْوارِثِينَ) (٨٩)