لا يرضى بذلك ينصب للمشرك مثال صورته يدخل معه ليعذب بها ، ولا عذاب على كوكب ولا حجر ولا شجر ولا حيوان ، وإنما يدخلون معهم زيادة في عذابهم حتى يروا أنهم لن يغنوا عنهم من الله شيئا ، فيقولون : (لَوْ كانَ هؤُلاءِ آلِهَةً ما وَرَدُوها وَكُلٌّ فِيها خالِدُونَ).
(لَهُمْ فِيها زَفِيرٌ وَهُمْ فِيها لا يَسْمَعُونَ) (١٠٠)
وأما من سبقت لهم الحسنى ، وهم الذين لم يأمروا ولم يرضوا ، فهم عنها مبعدون كعيسى وعزير وأمثالهما وعلي بن أبي طالب وكل من ادعي فيه أنه إله وقد سعد.
(إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنى أُولئِكَ عَنْها مُبْعَدُونَ) (١٠١)
فيدخل الله مع المشركين في جهنم مثلهم الذين كانوا يصورونها في الكنائس وغيرها ، نكاية لهم لأن كل عابد من المشركين قد مسك مثال صورة معبوده المتخيلة في نفسه ، فتجسد إليه تلك الصورة المتخيلة ويدخلها النار معه ، فإنه ما عبد إلا تلك الصورة التي مسكها في نفسه ، وتجسد المعاني المتخيلة غير منكور شرعا وعقلا ، فالمشركون يدخلون النار للعقاب والانتقام ، وهؤلاء المعبودون يدخلونها لا للانتقام فإنهم ما ادعوا ذلك ولا المثل ، وإنّما أدخلوها نكاية في حق العابدين لها فيعذبهم الله بشهودهم إياها ، حتى يعلموا أنهم لا يغنون عنهم من الله شيئا ، لكونهم ليسوا بآلهة كما ادعوا فيهم ، والذين سبقت لهم الحسنى.
(لا يَسْمَعُونَ حَسِيسَها وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنْفُسُهُمْ خالِدُونَ) (١٠٢)
(لا يَسْمَعُونَ حَسِيسَها) يعني النار ، لما يؤثر السماع في صاحبه من الخوف (وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنْفُسُهُمْ خالِدُونَ) فإن الآخرة دائمة التكوين عن العالم ، فإنهم يقولون في الجنان للشيء يريدونه كن فيكون ، فلا يتوهمون أمرا ولا يخطر لهم خاطر في تكوين أمر ما إلا ويتكون بين أيديهم حسا بمجرد حصول الخاطر والهم والإرادة والتمني والشهوة ، فشهواتهم كالإرادة من الحق ، إذا تعلقت بالمراد تكوّن.