لعانا ، أي طرادا ، أي لا تطرد عن رحمتي من بعثتك إليه ، وإنما بعثك رحمة ، أي لترحم مثل هؤلاء ، كأنه يقول له : بدل دعائك عليهم كنت تدعوني لهم. وأوحى الله تعالى إليه في ذلك لما علم من إجابته إياه إذا دعاه في أمر ، فنهاه عن الدعاء عليهم وسبهم وما يكرهون إبقاء لهم ورحمة بهم ، كما قال صلىاللهعليهوسلم حين جرحوه اللهم اهد قومي إنهم لا يعلمون ثم تلا عليه جبريل عليهالسلام كلام ربه (وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ) فعتب الحق رسوله صلىاللهعليهوسلم في حق المشرك الذي أخبر أنه لا يغفر له بهذه الآية ، وما خص مؤمنا من غيره ، فلم يقل تعالى «للمؤمنين خاصة» فلم يخص الحق مؤمنا من كافر بل قال (وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ) أي لترحمهم ، لأنك صاحب القرآن الذي ينطق بأن رحمتي وسعت كل شيء ، فعم العالم ولم يخص عالما من عالم ، فدخل المطيع والعاصي والمؤمن والكافر والموحد والمشرك في هذا الخطاب وكل مسمى العالم ، أي لترحمهم وتدعوني لهم لا عليهم ، فإنك إذا دعوتني لهم ربما وفقتهم لطاعتي ، فترى سرور عينك وقرتها في طاعة ، وإذا لعنتهم ودعوت عليهم وأجبت دعاءك فيهم لم يتمكن أن آخذهم إلا بأن يزيدوا طغيانا وإثما مبينا ، وذلك كله إنما يكون بدعائك عليهم ، فكأنك أمرتهم بالزيادة في الطغيان الذي نؤاخذهم به ، فتنبه رسول الله صلىاللهعليهوسلم لما أدبه به ربه ، فقال صلىاللهعليهوسلم إن الله أدبني فأحسن أدبي ، وقد صح عنه صلىاللهعليهوسلم أنه كان يقول : (اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون) ونهي عن الدعاء عليهم ، قام ليلة إلى الصباح لا يتلو فيها إلا قوله تعالى : (إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) وهو قول عيسى عليهالسلام ، فإنه صلىاللهعليهوسلم مرسل إلى جميع الناس كافة ليرحمهم بأنواع وجوه الرحمة ، ومن وجوه الرحمة أن يدعو لهم بالتوفيق والهداية ، فلا أحد ممن بعث إليه يبقى شقيا ولو بقي في النار فإنها ترجع عليه بردا وسلاما ، فإنه من حين بعث رسول الله صلىاللهعليهوسلم انطلق على جميع من في الأرض من الناس أمة محمد صلىاللهعليهوسلم ، فعمت العالم رحمته صلىاللهعليهوسلم التي أرسل بها ، فإن الله أخبر أنه أرسله ليرحم العالم ، وما خص عالما من عالم ، فأعلمنا الله أنه أرسله صلىاللهعليهوسلم بالرحمة وجعله رحمة للعالمين ، فمن لم تنله رحمته فما ذلك من جهته ، وإنما ذلك من جهة القابل ، فهو كالنور الشمسي أفاض شعاعه على الأرض ، فمن استتر منه في كن أو ظل جدار فهو الذي لم يقبل انتشار النور عليه ، وعدل عنه ، فلم يرجع إلى الشمس من ذلك منع ، وكانت هذه الآية في الدنيا عنوان حكم الآخرة ، لأنه إذا كان من