أشرك به يعتب رسوله صلىاللهعليهوسلم في الدعاء عليهم ، فكيف يكون فعله فيهم إذا تولى سبحانه الحكم فيهم بنفسه ، وقد علمنا أنه تعالى ما ندبنا إلى خلق كريم إلا كان هو أولى به ، ففي هذه الآية تنبيه على رحمة الله بعباده ، لأنهم على كل حال عباده ، معترفون به معتقدون لكبريائه ، طالبون القربة إليه ، لكنهم جهلوا طريق القربة ولم يوفوا النظر حقه. ـ وجه آخر ـ (وَما أَرْسَلْناكَ) وما أرسل إلا بالعلم (إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ) فجعل إرساله رحمة ، فهو علم يعطي السعادة في لين ، قال تعالى : (فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللهِ لِنْتَ لَهُمْ).
(قُلْ إِنَّما يُوحى إِلَيَّ أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) (١٠٨)
اعلم أن الحق لما انتقم وعذب بصفة الغضب ، وعفا وتجاوز بصفة الكرم ، وعصم بصفة الرحمة ، وظهر الاستناد من الموجودات إلى الكثرة في العين الواحدة ، فاستند هذا إلى غير ما استند هذا ، زال ابتهاج التوحيد والأحدية بالأسماء الحسنى وبما نسب إليه من الوجوه المتعددة الأحكام ، فلم يبق للاسم الواحد ابتهاج ، فرجع إلى أحدية الألوهية ، وهي أحدية الكثرة لما تطلبه من الأسماء لبقاء مسمى الأحدية ، فقال : (قُلْ إِنَّما يُوحى إِلَيَّ أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ) ولم يتعرض إلى ذكر النسب في الأسماء والوجوه ، فإن طلب الوحدة ينافي طلب الكثرة ـ راجع البقرة آية ١٦٤ ـ.
(فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ آذَنْتُكُمْ عَلى سَواءٍ وَإِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ أَمْ بَعِيدٌ ما تُوعَدُونَ (١٠٩) إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ مِنَ الْقَوْلِ وَيَعْلَمُ ما تَكْتُمُونَ (١١٠) وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ وَمَتاعٌ إِلى حِينٍ (١١١) قالَ رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِّ وَرَبُّنَا الرَّحْمنُ الْمُسْتَعانُ عَلى ما تَصِفُونَ) (١١٢)
(قالَ رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِّ) أي الحق الذي شرعت لنا ليثبت صدقي عند من أرسلتني إليهم فيما أرسلتني به ، فجاء بلفظ يدل على أنه وقع فقال تعالى مخبرا (قالَ) وهو عند العامة ما وقع ، فإنه يوم القيامة ، وما أخبر الله إلا بالواقع ، فلا بد أن يكون ثم حضرة إلهية فيها وقوع الأشياء دائما ، لا يتقيد بالماضي فيقال قد وقعت ، ولا بالمستقبل فيقال تقع ، ولكن