ثُمَّ لْيَقْطَعْ فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ ما يَغِيظُ (١٥) وَكَذلِكَ أَنْزَلْناهُ آياتٍ بَيِّناتٍ وَأَنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يُرِيدُ (١٦) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصارى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (١٧) أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذابُ وَمَنْ يُهِنِ اللهُ فَما لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللهَ يَفْعَلُ ما يَشاءُ) (١٨)
قال الله تعالى خطابا لمحمد صلىاللهعليهوسلم صاحب الكشف حيث يرى ما لا نرى (أَلَمْ تَرَ) رؤية مشاهدة واعتبار ، لما أشهده سجود كل شيء (أَنَّ اللهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ) فأطلق وعم ثم فصل فقال (وَالشَّمْسُ) في غروبها (وَالْقَمَرُ) في محاقه (وَالنُّجُومُ) في مواقعها (وَالْجِبالُ) في إسكانها (وَالشَّجَرُ) في إقامتها على سوقها (وَالدَّوَابُّ) في تسخيرها ، فعم الأمهات والمولدات وما ترك شيئا من أصناف المخلوقات ، ولم يبعض فإن كل شيء في العالم يسجد لله تعالى من غير تبعيض إلا الناس ، فلما وصل بالتفصيل إلى ذكر الناس قال : (وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ) فبعض ولم يقل كلهم ، وهم من لهم الشهود ، فإنه تعالى قال : كذبني ابن آدم ولم يكن ينبغي له ذلك ، وشتمني ابن آدم ولم يكن ينبغي له ذلك ، ولذلك قال : (وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذابُ) ، وسبب ذلك أن وكله من حيث نفسه الناطقة بما جعل الله فيها من الفكر ، فسجد لله في صورة غير مشروعة ، فأخذ بذلك مع أنه ما سجد إلا لله في المعنى (وَمَنْ يُهِنِ اللهُ فَما لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللهَ يَفْعَلُ ما يَشاءُ) فجعل ذلك من مشيئته ، وأشهد الله سبحانه نبيه صلىاللهعليهوسلم سجود كل شيء فما ترك أحدا ، فإنه ذكر من في السموات ومن في الأرض فذكر العالم العلوي والسفلي ، فإن الله دعا العالم كله إلى معرفته وهم قيام فإن الله أقامهم بين يديه حين خلقهم ، فأسجدهم فعرفوه في سجودهم ، فلم يرفعوا رؤوسهم أبدا ، فكل ما سوى الله ما عدا الثقلين على معرفة بالله ،