يراه عزيزا إن تجلى بذاته |
|
فليس لمخلوق على حمله وسع |
فكنت أبا حفص وكنت عليّنا |
|
فمني العطاء الجزل والقبض والمنع |
ـ إشارة لا تفسير ـ لما جعل الله قلب عبده بيتا كريما وحرما عظيما ، ذكر أنه وسعه حين لم يسعه سماء ولا أرض ، علمنا قطعا أن قلب المؤمن أشرف من هذا البيت ، وجعل الخواطر تمر عليه كالطائفين ولما كان في الطائفين من يعرف حرمة البيت فيعامله في الطواف به بما يستحقه من التعظيم والجلال ، ومن الطائفين من لا يعرف ذلك فيطوفون به بقلوب غافلة لاهية وألسنة بغير ذكر الله ناطقة ، بل ربّما يطوفون بفضول من القول وزور ، كذلك الخواطر التي تمر على قلب المؤمن منها مذموم ومنها محمود ، وكما كتب الله طواف كل طائف للطائف بالبيت على أي حالة كان ، وعفا عنه فيما كان منه ، كذلك الخواطر المذمومة عفا الله عنها ، ما لم يظهر على ظاهر الجوارح إلى الحس ، فقلب العبد المؤمن أعظم علما وأكثر إحاطة من كل مخلوق ، فإنه محل لجميع الصفات ، وارتفاعه بالمكانة عند الله لما أودع الله فيه من المعرفة به ، ولما كان للبيت أربعة أركان ، فللقلب خواطر أربعة ، خاطر إلهي وهو ركن الحجر ، وخاطر ملكي وهو الركن اليمني ، وخاطر نفسي وهو الركن الشامي ، وهذه الثلاثة الأركان هي الأركان الحقيقية للبيت من حيث أنه مكعب الشكل ، وعلى هذا الشكل قلوب الأنبياء مثلثة الشكل ، ليس للخاطر الشيطاني فيها محل ، ولما أراد الله ما أراد من إظهار الركن الرابع جعله للخاطر الشيطاني ، وهو الركن العراقي ، وإنما جعلنا الخاطر الشيطاني للركن العراقي ، لأن الشارع شرع أن يقال عنده : أعوذ بالله من الشقاق والنفاق وسوء الأخلاق ، وبالذكر المشروع عند كل ركن تعرف مراتب الأركان ، وعلى هذا الشكل المربع قلوب المؤمنين ، وما عدا الرسل والأنبياء المعصومين ، ليميز الله رسله وأنبياءه من سائر المؤمنين بالعصمة التي أعطاهم وألبسهم إياها ، فليس لنبي إلا ثلاثة خواطر ، إلهي وملكي ونفسي ، وكما أن الله تعالى أودع في الكعبة كنزا كذلك جعل الله في قلب العارف كنز العلم بالله ، فشهد لله بما شهد به الحق لنفسه من أنه لا إله إلا الله ، ونفى هذه المرتبة عن كل ما سواه ، فقال تعالى : (شَهِدَ اللهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُوا الْعِلْمِ) فجعلها كنزا في قلوب العلماء بالله ، فالله بيته قلب عبده المؤمن ، والبيت بيت اسمه تعالى ، والعرش مستوى الرحمن ، فبين القلب والعرش في المنزلة ما بين الاسم الله والاسم الرحمن ، فإن مشهد الألوهية أعم ، لإقرار