(ذلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعائِرَ اللهِ فَإِنَّها مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ) (٣٢)
شعائر الله أعلامه ، وأعلامه الدلائل الموصلة إليه ، وكل شعيرة منها دليل على الله من حيث أمر ما خاص أراده الله وأبانه لأهل الفهم من عباده ، فيتفاضلون في ذلك على قدر فهمهم ، والشعائر ما دق وخفي من الدلائل ، وأخفاها وأدقها في الدلالة الآيات المعتادة ، فهي المشهودة المفقودة ، والمعلومة المجهولة ، فإذا رأيت ما يقال فيه إنه من شعائر الله وتجهل أنت صورته من الشعائر ، ولا تعلم ما تدل عليه هذه الشعيرة فاعلم أن تلك الشعيرة ما خاطبك الحق بها ولا وضعها لك ، وإنما وضعها لمن يفهمها عنه ، ولك أنت شعيرة أيضا غيرها ، وهي كل ما تعرف أنها دلالة لك عليه ، فقف عندها وقل رب زدني علما ، فيقوى فهمك فيما أنزله ويعلمك ما لم تكن تعلم ، فليس في العالم عين إلا وهو من شعائر الله من حيث ما وضعه الحق دليلا عليه ، ولما كان الشرف للموجودات إنما هو من حيث دلالتها على الله وجب تعظيمها ، فوصف من يعظم شعائر الله بقوله : (وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعائِرَ اللهِ فَإِنَّها) أي الشعائر عينها ، وهي الأعلام والدلالات والأسباب التي وضعها الله تعالى في العالم شعائر وأعلاما لما يريد تكوينه وخلقه من الأشياء ، لما سبق في علمه أن يربط الوجود بعضه ببعضه ، ودل الدليل على توقف وجود بعضه على بعضه ، فالتعظيم لها ضرب من العلم به تعالى ، (مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ) فمن عظمها فهو تقي في جميع تقلباته ، فإن القلوب من التقليب ، لأنه لما كان الدليل يشرف بشرف المدلول ، والعالم دليل على وجود الله ، فالعالم شريف كله ، فلا يحتقر شيء منه ولا يستهان ، فإن الله ما حقره لما علق القدرة بإيجاده ، فما ثم تافه ولا حقير ، فإن الكل شعائر الله ، فإن احتقار شيء من العالم لا يصدر من تقي يتقي الله. ـ الوجه الثاني ـ (فَإِنَّها) يعني العظمة ، والعظمة راجعة لحال المعظم بكسر الظاء اسم فاعل ، لذلك فهي حالة القلب فقال : (مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ) أي فإن عظمتها من تقوى القلوب ، فإن كل شيء من العالم إذا نظرته بتعظيم الله لا بعظمته فهو عظيم وهو الأدب ، فإنه لا ينبغي أن ينسب إلى العظيم إلا ما يستعظم ، فإنه تعظم عظمته في نفس من نظره بهذا النظر ، وما قال سبحانه إن ذلك من تقوى النفوس ، ولا من تقوى الأرواح ، ولكن قال من تقوى القلوب ، لأن الإنسان يتقلب في الحالات مع الأنفاس ، ومن يتق الله في كل