كَذلِكَ سَخَّرْناها لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) (٣٦)
النعم كلها من شعائر الله ، فإن كل شعيرة منها دليل على الله من حيث أمر خاص أراده الله وأبانه لأهل الفهم من عباده ، والبدن هي الإبل وجعلها من شعائر الله عند كل حليم أواه ، ولم يكن المقصود منها إلا أنتم ، بقوله : (لَنْ يَنالَ اللهَ لُحُومُها وَلا دِماؤُها وَلكِنْ يَنالُهُ التَّقْوى مِنْكُمْ) فكلوا منها وأطعموا القانع والمعتر» يعني من البدن التي جعلها سبحانه من شعائر الله ، والقانع السائل والسّؤال من الله لا من غيره ، يقال قنع قنوعا إذا سأل وهو الذي رفع سؤاله إلى الله ، ومن سأل غير الله فليس بقانع ويخاف عليه من الحرمان والخسران ـ اعتبار من إشعار البدن ـ اعلم أن النبي صلىاللهعليهوسلم قد ذكر في الإبل أنها شياطين وجعل ذلك علة في منع الصلاة في معاطنها ، والشيطنة صفة بعد من رحمة الله لا من الله ، لأن الكل في قبضة الله وبعين الله ، والإشعار الإعلام ولا أبعد من شياطين الإنس والجن ، والهدية بعيدة من المهدى إليه لأنها في ملك المهدي فهي موصوفة بالبعد ، وما يتقرب المتقرب إلى الله من أهل الدعاء إلى الله بأولى من رد من شرد عن باب الله وبعد إلى الله ليناله رحمة الله ، فإن الرسل ما بعثت بالتوحيد إلا للمشركين وهم أبعد الخلق من الله ليردوهم إلى الله ويسوقوهم إلى محل القرب وحضرة الرحمة ، فلهذا أهدى رسول الله صلىاللهعليهوسلم البدن مع ذكره فيها أنها شياطين ، ليثبت عند العالمين به أن مقامه صلىاللهعليهوسلم رد البعداء من الله إلى حال التقريب ، ثم إنه أشعرها في سنامها الأيمن ، وسنامها أرفع ما فيها ، فهو الكبرياء الذي كانوا عليه في نفوسهم ، فكان إعلاما من النبي صلىاللهعليهوسلم لنا بأنه من هذه الصفة أتي عليهم ، لنجتنبها ، فإن الدار الآخرة إنما جعلها الله للذين لا يريدون علوا في الأرض ، والسنام علو ، ووقع الإشعار في صفحة السنام الأيمن ، فإن اليمين محل الاقتدار والقوة ، والصفحة من الصفح ، إشعار من أن الله يصفح عمن هذه صفته إذا طلب القرب من الله وزال عن كبريائه الذي أوجب له البعد ، لأنه أبى واستكبر ، وجعل صلىاللهعليهوسلم الدلالة على إزالة الكبرياء في شيطنة البدن جعل النعال في رقابها ، إذ لا يصفع بالنعال إلا أهل الهون والذلة ، ومن كان بهذه المثابة فما بقي فيه كبرياء يشهد ، وعلق النعال في قلائد من عهن وهو الصوف ليتذكر بذلك ما أراد الله بقوله : (وَتَكُونُ الْجِبالُ كَالْعِهْنِ) فإذا كانت هذه صفته كان قربانا من التقريب إلى الله ،