فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ (٤٤) فَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها وَهِيَ ظالِمَةٌ فَهِيَ خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَشِيدٍ (٤٥) أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِها أَوْ آذانٌ يَسْمَعُونَ بِها فَإِنَّها لا تَعْمَى الْأَبْصارُ وَلكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ) (٤٦)
(أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِها) ما جعلها عقلا إلا ليعقل عنه العبد بها ما يخاطبه بها ، فاعلم أيدك الله أن العلم تحصيل القلب أمرا ما على حد ما هو عليه ذلك في نفسه ، معدوما كان ذلك الأمر أو موجودا ، فالعلم هو الصفة التي توجب التحصيل من القلب ، والعالم هو القلب والمعلوم هو ذلك الأمر المحصل ، فالقلب مرآة مصقولة كلها وجه لا تصدأ أبدا ، فإن أطلق يوما عليها أنها صدئت كما قال عليهالسلام إن القلوب لتصدأ كما يصدأ الحديد ـ الحديث ـ وفيه أن جلاءها ذكر الله وتلاوة القرآن ، فليس المراد بهذا الصدأ أنه طخاء طلع على وجه القلب ، ولكنه لما تعلق واشتغل بعلم الأسباب عن العلم بالله كان تعلقه بغير الله صدأ على وجه القلب لأنه المانع من تجلي الحق إلى هذا القلب ، لأن الحضرة الإلهية متجلية على الدوام لا يتصور في حقها حجاب عنا ، فلما لم يقبلها هذا القلب من جهة الخطاب الشرعي المحمود لأنه قبل غيرها ، عبر عن قبول ذلك الغير بالصدأ والكن والقفل والعمى والران وغير ذلك ، فالقلوب أبدا لم تزل مفطورة على الجلاء مصقولة صافية ، فكل قلب تجلت فيه الحضرة الإلهية فذلك قلب المشاهد المكمل العالم ، ومن لم تتجل له من كونها من الحضرة الإلهية فذلك هو القلب الغافل عن الله تعالى المطرود من قرب الله تعالى ـ تحقيق ـ اعلم أن الله تعالى ابتلى الإنسان ببلاء ما ابتلى به أحدا من خلقه ، إما لأن يسعده أو يشقيه ، على حسب ما يوفقه إلى استعماله ، فكان البلاء الذي ابتلاه به أن خلق فيه قوة تسمى الفكر ، وجعل هذه القوة خادمة لقوة أخرى تسمى العقل ، وجبر العقل مع سيادته على الفكر أن يأخذ منه ما يعطيه ، ولم يجعل للفكر مجالا إلا في القوة الخيالية وجعل سبحانه القوة الخيالية محلا جامعا لما تعطيه القوة الحساسة ، وجعل له قوة يقال لها المصورة ، فلا يحصل في القوة الخيالية إلا ما أعطاه الحس ، أو أعطته القوة المصورة من المحسوسات ، وذلك