ابن ماجة في سننه ـ قال تعالى : (فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلكِنَّ اللهَ قَتَلَهُمْ) فكل عمل أضفته إلى الله عن ذوق ومشاهدة ، لا عن اعتقاد وحال بل عن مقام وعلم صحيح فقد أعطيت ذلك العمل حقه حيث رأيته ممن هو له (وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) تأمل هذه الآية فإن لها وجهين كبيرين قريبين خلاف ما لها من الوجوه ، أي خففت عنكم في الحكم ، وما أنزلت عليكم ما يحرجكم ، وينظر إلى هذا قوله تعالى : (لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها) وقوله تعالى : (لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلَّا ما آتاها) وقوله عليهالسلام : [بعثت بالحنيفية السمحاء] وقوله عليهالسلام : [إن الدين يسر] فلا يكون الحق يراعي اليسر في الدين ورفع الحرج ويفتي المفتي بخلاف ذلك ، فإن النفوس أبت أن تقف عند الأحكام المنصوص عليها ، فأثبتت لها عللا وجعلتها مقصودة للشارع وطردتها ، وألحقت المسكوت عنه في الحكم بالمنطوق به بعلة جامعة اقتضاها نظر الجاعل المجتهد ، ولو لم يفعل لبقي المسكوت عنه على أصله من الإباحة والعافية ، فكثرت الأحكام بالتعليل وطرد العلة والقياس والرأي والاستحسان ، وما كان ربك نسيا ، ولكن بحمد الله جعل الله في ذلك رحمة أخرى لنا ، لو لا أن الفقهاء حجرت هذه الرحمة على العامة ، بإلزامهم إياها مذهب شخص معين لم يعينه الله ولا رسوله ، ولا دل عليه ظاهر كتاب ولا سنة صحيحة ولا ضعيفة ، ومنعوه أن يطلب رخصة في نازلته في مذهب عالم آخر اقتضاه اجتهاده ، وشددوا في ذلك وقالوا هذا يفضي إلى التلاعب بالدين ، وتخيلوا أن ذلك دين ، وقد قال النبي صلىاللهعليهوسلم : [إن الله تصدق عليكم فاقبلوا صدقته] فالرخص مما تصدق الله بها على عباده ، وقد أجمعنا على تقرير حكم المجتهد وعلى تقليد العامي له في ذلك الحكم لأنه عنده عن دليل شرعي ، سواء كان صاحب قياس أو غير قائل به ، فتلك الرخصة التي رآها الشافعي في مذهبه على ما اقتضاه دليله ، وقد قررها الشرع فيمنع المفتي من المالكية المالكي المذهب أن يأخذ برخصة الشافعي التي تعبده بها الشارع ـ وإنما أضفناها إلى الشارع لأن الشرع قررها ـ بمنعه مما يقتضيه الدليل في الأخذ به بأمر لا يقتضيه الدليل الذي لا أصل له ، وهو ربط الرجل نفسه بمذهب خاص لا يعدل عنه إلى غيره ، ويحجر عليه ما لم يحجر الشرع عليه ، وهذا من أعظم الطوام وأشق الكلف على عباد الله ، فالذي وسع الشرع بتقرير حكم المجتهدين في هذه الأمة ضيقه عوام الفقهاء ، وأما الأئمة مثل أبي حنيفة ومالك وأحمد بن حنبل والشافعي فحاشاهم من هذا ،