على بعض ، وقد تم البدن على التفصيل ، وهو الخلق الترابي الآدمي ، فهو مسبب عن أشياء هي أمهات الجسد الآدمي وهي كثيرة ، انتقل في أطوار العالم من شكل إلى شكل حتى صار على هذه الصفة ، فالجسد الآدمي أصله شيء والصورة عرض فيه ، ثم أجمل خلق النفس الناطقة الذي هو بها إنسان في هذه الآية فقال (ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ) وهو طور آخر ، عرّفك بذلك أن المزاج لا أثر له في لطيفتك وإن لم يكن نصا لكن هو ظاهر ، وأبين منه قوله (فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ فِي أَيِّ صُورَةٍ ما شاءَ رَكَّبَكَ) فالظاهر أنه لو اقتضى المزاج روحا خاصا معينا ما قال (فِي أَيِّ صُورَةٍ ما شاءَ رَكَّبَكَ) وأي حرف نكرة مثل حرف (ما) ، فإنه حرف يقع على كل شيء ، فأبان لك أن المزاج لا يطلب صورة بعينها ، ولكن بعد حصولها تحتاج إلى هذا المزاج وترجع به ، فإنه بما فيه من القوى التي لا تدبره إلا بها ، فإنه بقواه لها كالآلات لصانع النجارة أو البناء مثلا ، فبيّن لك الحق بهذه الآيات مرتبة جسدك وروحك ، لتنظر وتتفكر فتعتبر أن الله ما خلقك سدى وإن طال المدى ، فإن النشأة الإنسانية مكونة من حس وخيال وعقل ، تجول بكلها أو ببعضها ، فإما أن يجول الإنسان بحسه وهو الكشف ، وإما أن يجول بعقله وهو حال فكره وتفكره ، وإما أن يجول بخياله ، ثم أثبت الله للعالم الخلق وجعل نفسه أحسن لأوليته في ذلك ، إذ لو لاه ما ظهرت أعيان هؤلاء الخالقين فقال (فَتَبارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ) إثباتا للأعيان ليصح قوله (لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) وأثنى على نفسه يعلمك صورة الثناء عليه لتشكره لا لتكفره فقال (فَتَبارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ) تقديرا وإيجادا ، فذكر أن ثمّ خالقين الله أحسنهم خلقا ، فإنه تعالى نسب الخلق إلى عباده فقال (وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ) فهو تعالى أحسن الخالقين لأنه تعالى يخلق ما يخلق عن شهود ، والخالق من العباد لا يخلق إلا عن تصور ، يتصور من أعيان موجودة يريد أن يخلق مثلها أو يبدع مثلها ، وخلق الحق ليس كذلك ، فإنه يبدع أو يخلق المخلوق على ما هو ذلك المخلوق عليه في نفسه وعينه ، فما يكسوه إلا حلة الوجود بتعلق يسمى الإيجاد ، فأضاف الحق الحسن إلى الخالقين غير أن الله أحسن الخالقين ، والخلق من خصوص وصف الإله ، ومن الناس من يقيم من أعماله وأنفاسه نشأة ذات روح وجسد ، فبها يكون الإنسان خالقا ، ويكون الحق أحسن الخالقين ، وهذه الطبقة التي وصفها الحق بالحسن هم أهل الإحسان ، فإن الإحسان في العبادة أن تعبد الله كأنك تراه ، فتعلم من هو الخالق على الحقيقة ، فلما كان