فَكانُوا مِنَ الْمُهْلَكِينَ (٤٨) وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ (٤٩) وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً وَآوَيْناهُما إِلى رَبْوَةٍ ذاتِ قَرارٍ وَمَعِينٍ (٥٠) يا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّباتِ وَاعْمَلُوا صالِحاً إِنِّي بِما تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ (٥١) وَإِنَّ هذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ (٥٢) فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُراً كُلُّ حِزْبٍ بِما لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ) (٥٣)
(كُلُّ حِزْبٍ بِما لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ) وما وقع ذلك إلا من تعشق كل نفس بما هي عليه ، فلو تبيّن لكل حزب مآله وما له ، لفرح من ينبغي له أن يفرح ، وحزن من ينبغي له أن يحزن ، (كُلُّ حِزْبٍ بِما لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ) وكل له شرب معلوم ، وسيردون فيعلمون ، كأنهم ما سمعوا (يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ ساقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ) ـ إشارة لا تفسير ـ (كُلُّ حِزْبٍ بِما لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ) إن العارفين كما هم اليوم يكونون غدا ، أجسامهم في الجنان ، وقلوبهم في حضرة الرحمن.
(فَذَرْهُمْ فِي غَمْرَتِهِمْ حَتَّى حِينٍ (٥٤) أَيَحْسَبُونَ أَنَّما نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مالٍ وَبَنِينَ (٥٥) نُسارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْراتِ بَلْ لا يَشْعُرُونَ (٥٦) إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ) (٥٧)
يقال : أشفقت منه فأنا مشفق إذا حذرته ، ولا يقال : أشفقت منه إلا في الحذر ، ويقال : أشفقت عليه إشفاقا من الشفقة ، والأصل واحد أي حذرت عليه ، فالمشفقون من أولياء الله من خاف على نفسه من التبديل والتحويل ، فإنه أمنّه الله بالبشرى مع إشفاقه على خلق الله ، مثل إشفاق المرسلين على أممهم ، ومن بشّر من المؤمنين ، وهم قوم ذوو كبد رطبة ، لهم حنان وعطف ، إذا أبصروا مخالفة الأمر الإلهي من أحد ارتعدت فرائصهم إشفاقا عليه أن ينزل به أمر من السماء ، ومن كان بهذه المثابة فالغالب على أمره أنه محفوظ في أفعاله ، لا يتصور منه مخالفة لما تحقق به من صفة الإشفاق ، فلما كانت ثمرة الإشفاق الاستقامة على