طاعة الله ، أثنى الله عليهم بأنهم مشفقون ، للتغير الذي يقوم بنفوسهم عند رؤية الموجب لذلك ، والإشفاق مأخوذ من الشفق الذي هو حمرة بقية ضوء الشمس إذا غربت ، أو إذا أرادت الطلوع.
(وَالَّذِينَ هُمْ بِآياتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ (٥٨) وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لا يُشْرِكُونَ (٥٩) وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ ما آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلى رَبِّهِمْ راجِعُونَ) (٦٠)
إن القلوب مع الخيرات في وجل |
|
وإنها عندما تلقاه في خجل |
اعلم أن السبب الموجب لوجلهم قول الله عنهم (الَّذِينَ يُؤْتُونَ) وجعل هنا ما بمعنى الذي ، ثم جاء ب «أتوا» بعد «ما» وكلامه صدق ، فأدركهم الوجل إذ قطعوا أنهم لا بد أن يقوم بهم الدعوى فيما جاؤوا به من طاعة الله ، فيكشف الله لهم إذا خافوا ووجلوا من ذلك ، وتبديل الله لفظة «ما» التي بمعنى الذي بلفظة «ما» النافية مثل قوله تعالى (وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللهَ رَمى) هكذا يكون كشفه هنا للوجل ، ما يؤتون الذي أتوا به ، ولكن الله أتى به ، فأقامهم مقام نفسه فيما جاؤوا به من الأعمال الصالحة ، فإن الله تعالى علل بقوله (أَنَّهُمْ إِلى رَبِّهِمْ راجِعُونَ) فيما أتوا به ، مع كون الله وصفهم بأنهم الذين أتوا به ، فانظر ما أدق نظرهم في السبب الذي جعل في قلوبهم الوجل».
(أُولئِكَ يُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ وَهُمْ لَها سابِقُونَ) (٦١)
(أُولئِكَ) إشارة إلى هؤلاء الذين يسارعون في الخيرات ، والإسراع لمن أتى هرولة فافهم ، فهم (يُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ) بالحق ، (وَهُمْ لَها سابِقُونَ) أي يسبقونها ويسبقون إليها ، فالخيرات ثلاثة : خيرات يكون السباق والمسارعة فيها ، وخيرات يكون السباق بها ، وخيرات يكون السباق إليها ، وهي قوله (سابِقُوا إِلى مَغْفِرَةٍ) (وَسارِعُوا إِلى مَغْفِرَةٍ) والسرعة في السباق لا بد منها ، لأن السباق يعطي ذلك ، وهو فوق السعي ، فإتيانهم بسرعة ، والزائد على السعي ما هو إلا الهرولة وهي نعت إلهي (أُولئِكَ يُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ) وهي الطاعات التي أمر الله بها عباده ، ولأنهم السعداء سارعوا لما أبصروا حسن