على العاصي إما بالأخذ وإما بالمغفرة ، والرجوع على الطائع بالإحسان ، ولما كان الحكم للمشيئة الإلهية كان الله أكثر رجوعا إلى العباد من العباد إليه ، فإن رجوع العباد إلى الله بإرجاع الله ، فما رجعوا إلى الله إلا بالله.
(فَتَعالَى اللهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ) (١١٦)
هذا هو التوحيد الحادي والعشرون في القرآن ، هو توحيد الحق ، وهو توحيد الهوية ، فلا إله إلا هو من نعوت الحق ، فالأمر الذي ظهر فيه وجود العالم هو الحق ، وما ظهر إلا في نفس الرحمن ، وهو العماء فهو الحق (رَبُّ الْعَرْشِ) الذي أعطاه الشكل الإحاطي لكونه بكل شيء محيطا ، فالأصل الذي ظهر فيه صور العالم بكل شيء من عالم الأجسام محيط ، وليس إلا الحق المخلوق به ، فكأنه لهذا القبول كالظرف ، يبرز منه وجود ما يحوي عليه طبقا عن طبق ، عينا بعد عين على الترتيب الحكمي ، فأبرز ما كان فيه غيبا ليشهده فيوحده ، فيوحده مع صدوره عنه ، قال تعالى (وَما خَلَقْنَا السَّماءَ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما باطِلاً ما خَلَقْناهُما إِلَّا بِالْحَقِّ) فهو عين واحدة وإن تعددت الصور فيه ، ثم تمم تعالى فقال (الْكَرِيمِ) وصف العرش بأنه كريم لأنه بحركته أعطى ما في قوته لمن هو تحت إحاطته وقبضته.
(وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ لا بُرْهانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّما حِسابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكافِرُونَ) (١١٧)
اعلم أن الشبهة تأتي في صورة البرهان ، وهذه الآية ذم للمقلدة لا لأصحاب النظر وإن أخطؤوا والحضرة الإلهية تقبل جميع العقائد إلا الشرك فإنها لا تقبله ، فإن الشريك عدم محض ، والوجود المطلق لا يقبل العدم ، والشريك لا شك أنه خارج عن شريكه بخلاف ما يعتقد فيه مما يتصف به الموصوف في نفسه ، فلهذا قلنا لا يقبل الشريك لأنه ما ثمّ شريك حتى يقبل ، وهذه أرجى آية للمشرك عن نظر جهد الطاقة ، وتخيله في شبهه أنها برهان ، فيقوم له العذر عند الله قال تعالى (وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ لا بُرْهانَ لَهُ بِهِ) يعني في زعمه ، فإنه ما اتخذه إلها إلا عن برهان في زعمه ، فدل على أنه من قام له برهان في نظره أنه غير