(فَوَجَدا عَبْداً مِنْ عِبادِنا آتَيْناهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنا وَعَلَّمْناهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْماً) (٦٥)
ـ تفسير من باب الإشارة ـ (فَوَجَدا) تنبيها من الله وتأديبا لموسى عليهالسلام لما جاوزه من الحد في إضافة العلم إلى نفسه بأنه أعلم من في الأرض في زمانه ، فلو كان عالما لعلم دلالة الحق التي هي عين اتخاذ الحوت سربا ، وما علم ذلك وقد علمه يوشع ، ونسّاه الله التعريف بذلك ليظهر لموسى عليهالسلام تجاوزه الحد في دعواه ولم يردّ ذلك إلى الله في علمه في خلقه (فَوَجَدا عَبْداً مِنْ عِبادِنا) فأضافه إلى نون الجمع وهو خضر ، واسمه بليا بن ملكان بن فالغ بن شالخ بن أرفخشذ بن سام بن نوح عليهالسلام ، كان في جيش فبعثه أمير الجيش يرتاد لهم ماء ، وكانوا قد فقدوا الماء ، فوقع بعين الحياة فشرب منه فعاش إلى الآن ، وكان لا يعرف ما خص الله به من الحياة شارب ذلك الماء ، والخضر هو الشاب الذي يقتله الدجال في زعمه لا في نفس الأمر ، وهو فتى ممتلىء شبابا ، هكذا يظهر له في عينيه (آتَيْناهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنا) الرحمة تتقدم بين يدي العلم تطلب العبد ، ثم يتبعها العلم ، فالعلم يستصحب الرحمة بلا شك ، فإذا رأيت من يدعي العلم ولا يقول بشمول الرحمة فما هو صاحب علم ، وهذا هو علم الذوق لا علم النظر ، قال تعالى في حق عبده خضر (آتَيْناهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنا) فقدم الرحمة على العلم ، وهي الرحمة التي في الجبلة ، جعلها فيه ليرحم بها نفسه وعباده ، فيكون في حق الغلام رحمة أن حال بينه وبين ما يكتسبه لو عاش من الآثام إذ قد كان طبع كافرا ، وأما رحمته بالملك الغاصب حتى لا يتحمل وزر غصب تلك السفينة من هؤلاء المساكين ، فالرحمة إنما تنظر من جانب الرحيم بها لا من جانب صاحب الغرض ، فإنه جاهل بما ينفعه ، وإن أراد الله تعالى أنه أعطاه رحمة من عنده أي رحمناه ، فأعطيناه هذا العلم الذي ظهر به ، وهو ما أعطاه من الفهم ، وهو مقام يحصل من وجهين : وجه اختصاص كالخضر وأمثاله من غير تعمل وكالقائم في آخر الزمان ، ووجه آخر من طريق التعمل طريق الكسب ، فقال تعالى في خضر (وَعَلَّمْناهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْماً) جودا ورحمة من الله ، فإنه لم يذكر له تعملا في تحصيل شيء من ذلك ، وجعل الكل منه امتنانا وفضلا ، فهو علم الوهب لا علم الكسب ، فإنه لو أراد العلم المكتسب لقال تعالى : وعلمناه طريق اكتساب العلوم ، فالعلم الموهوب هو العلم اللدني علم الخضر وأمثاله ، وهو