ولا فكروا ولا اعتبروا ، فإنه ما هو علم تقليد ، فالمخطىء مع النظر أولى وأعلى من الإصابة والمصيب مع التقليد ، إلا في ذات الحق فإنه لا ينبغي أن يتصرف مخلوق فيها بحكم النظر الفكري ، وإنما هو مع الخبر الإلهي فيما يخبر به عن نفسه لا يقاس عليه ، ولا يزيد ولا ينقص ولا يتأول ، ولا يقصد بذلك القول وجها معينا ، بل يعقل المعنى ويجهل النسبة ، ويرد العلم بالنسبة إلى علم الله فيها ، ثم أمر نبيه.
(وَقُلْ رَبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ) (١١٨)
فأمر نبيه أن يقول (رَبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ) هذه الفرق التي وفّت النظر استطاعتها التي آتيتها ، فلم تصل إلا إلى التعطيل أو الشرك (وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ) فإنهم ما تعدوا ما آتاهم الله ، فيشفع هنا فيهم رسول الله صلىاللهعليهوسلم من حيث لا يشعرون ، فإذا نالتهم السعادة بالخروج من النار ، وقد غفر لهم الله بسؤال الرسول فيهم إذ قال (رَبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ) حين أمره الله بذلك ، وما أمره بهذا الدعاء إلا ليجيبه ، فأجابه في ذلك ، فعرفوا قدر رسول الله صلىاللهعليهوسلم عند ذلك إذا دخلوا الجنة ، فينتمون إليه فيها لأنه السيد الأكبر ، وهذا الدعاء يعم كل من هو بهذه المثابة من وقت آدم إلى نفخة الصعق ، لأنه ما خصص في دعوته إلا من هذه صفته ، ومن ينبغي أن يرحم ويغفر له ، فكل موحد لله ولو بدليله وإن لم يكن مؤمنا ففي الجنة ، يدخله الله خاصة لا غيره ، ويشفع المؤمنون والأنبياء في أهل الكبائر من أهل الإيمان ، لأن الأنبياء بعثت بالخير وهو الإيمان ، والموحدون الذين لم يؤمنوا لكونهم ما بعث إليهم رسول ، أو كانوا في فترة ، فهم الذين يحشر كل واحد منهم أمة وحده ، فإن بعث في أمة ـ هو فيهم ـ رسول فلم يؤمن به مع علمه بأحدية خالقه دخل النار ، فما يخرج منها إلا بإخراج خالقه ، لأن الخلود في النار لا يكون بالنص لأهل التوحيد بأي وجه حصل لهم ، قال صلىاللهعليهوسلم [من مات وهو يعلم أنه لا إله إلا الله دخل الجنة] ولم يقل يقول ولا يؤمن ، وإنما ذكر العلم خاصة ، فلا يبقى في النار إلا مشرك أو معطل لا عن شبهة ولا عن نظر مستوف في النظر قوته ، فلم يبق في النار إلا المقلدة الذين كان في قوتهم واستعدادهم أن ينظروا فما نظروا ـ مسئلة ـ قوله تعالى (خَيْرُ الرَّاحِمِينَ) من باب المفاضلة ، فمعلوم أنه ما يرحم أحد من المخلوقين أحدا إلا بالرحمة التي أوجدها الرحمن فيه ، فهي رحمته تعالى ، لا رحمتهم ، ظهرت