الرأفة اللوم حيث عدل بها عن ميزانها ، فإن الله يقول : (وَلا تَأْخُذْكُمْ) يعني ولاة الأمور (بِهِما رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللهِ) اعلم أن الرأفة من القلوب مثل جبذ وجذب ، كذلك رأف ورفأ ، وهو من الإصلاح والالتئام ، فالرأفة التئام الرحمة بالعباد ، ولذلك نهى عنها في إقامة الحدود لا كل الحدود ، وإنما ذلك في حد الزاني والزانية ، فيؤدي ذلك إلى الفتور في إقامة حدّ الله الذي شرع ودين الله جزاؤه ، ثم قال : (إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ) فخصّ لأنه ثمّ من يؤمن بالباطل (وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) يقول : وتؤمنون بإقامة الله حدوده في اليوم الآخر ، كأنه يقول لو لاة الأمور : طهروا عبادي في الدنيا قبل أن يفضحوا على رؤوس الأشهاد ، ولذلك قال في هؤلاء : (وَلْيَشْهَدْ عَذابَهُما طائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) ينبه أن أخذهم في الآخرة على رؤوس الأشهاد ، فتعظم الفضيحة ، فإقامة الحدود في الدنيا أستر ، فأمر الوالي بإقامة الحد نكالا من الزاني كما هو نكال في حق السارق ، وبيّن ذلك ، وإقامة الحد إذا لم يكن نكالا فإنه طهارة ، وإن كان نكالا فلا بد فيه من معقول الطهارة لأنه يسقط عنه في الآخرة بقدر ما أخذ به في الدنيا ، فسقط عن الزاني النكال وما سقط عن السارق ، فإن السارق قطعت يده وبقي مقيدا بما سرق لأنه مال الغير ، فقطع يده زجر وردع لما يستقبل ، وبقي حق الغير عليه فلذلك جعله نكالا ، والنكل القيد ، فما زال من القيد مع قطع يده وما تعرض في حد الزاني إلى شيء من ذلك ، وقد ورد في الخبر أن ما سكت عن الحكم فيه بمنطوق فهو عافية ، أي دارس لا أثر له ولا مؤاخذة فيه ، واعلم أن غير الحاكم ما عيّن الله له إقامة الحد ، فلا ينبغي أن يقوم به غضب عند تعدي الحدود ، فليس ذلك إلا للحكام خاصة ولرسول الله صلىاللهعليهوسلم من حيث ما هو حاكم ، والقاضي إن بقي معه الغضب على المحدود بعد أخذ حق الله منه فهو غضب نفس وطبع أو لأمر في نفسه لذلك المحدود ، ما هو غضب لله ، فلذلك لا يأجره الله ، فإنه ما قام في ذلك مراعاة لحق الله ، فلا يغفل الحاكم عند إقامة الحدود عن النظر في نفسه ، وليحذر من التشفي الذي يكون للنفوس ، فإن وجد لذلك تشفيا فيعلم أنه ما قام في ذلك لله وما عنده فيه خير من الله ، وإذا فرح بإقامة الحد على المحدود إن لم يكن فرحه له لما سقط عن ذلك الحد في الآخرة من المطالبة وإلا فهو معلول ، فمن غضب لله وكان حاكما وأقام الحد يزول عنه الغضب على ذلك الشخص عند الفراغ منه ، ويرجع لذلك المحدود رحمة كله.