بعلمي إذا كنت ممن يقول بذلك ، استنبت في الحكم من لا علم له بالأمر ، وتركت الحكم فيه ، وهذا هو الوجه الصحيح عندي ، والذي أعمل به وإن كان في النفس منه شيء ، وهذا عندي في الحكم في الأموال ، وأما الحكم في الأبدان فلا أحكم إلا بعلمي إذا علمت البراءة ، فإن لم تكن البراءة وعلمت صدق المفتري حكمت بالشهود وتركت علمي ، فالحاكم لا يجوز له أن يخالف علمه أصلا ، وذلك في الأموال وأما في الأبشار فما يجب عليه إمضاء الحكم على المحكوم عليه.
(وَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللهَ تَوَّابٌ حَكِيمٌ) (١٠)
إذا اتفق أن يؤاخذ التائب فما يأخذه إلا الحكيم لا غيره من الأسماء ، فإذا لم يؤاخذ فإنما يكون الحكم فيه للرحيم ، فإن الله تواب رحيم بطائفة ، وتواب حكيم بطائفة.
(إِنَّ الَّذِينَ جاؤُ بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذابٌ عَظِيمٌ) (١١)
اللسان ما عصى الله قط من حيث نفسه ، وإنما وقعت فيه المخالفة لا منه ، من حركة المريد تحريكه ، فهو مجبور حيث لم يعط الدفع عن نفسه لكونه من آلات النفس ، فهو طائع من ذاته ، ولو فتح الله سمع صاحبه لنطق اللسان الذاتي إذا جعلته النفس يتلفظ بمخالفة ما أراد الشرع أن يتلفظ به لبهت ، فإنه طائع بالذات شاهد عدل على محركه ، وكذلك كل جارحة مصرفة من سمع وبصر وفؤاد وجلد وعصب وفرج ونفس وحركة ، لذلك قال تعالى : (لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ) الاكتساب تعمل في الكسب ، والموجد مكتسب لأنه قد وصف بما اكتسب ، فقد كان عن هذا الوصف غير موصوف به إذ لم يكن ذلك المكتسب.
(لَوْ لا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْراً وَقالُوا هذا إِفْكٌ