وما ذكر الله تعالى أنه إقرار بل ذكر أنها شهادة ، فإذا وقع الإنكار يوم القيامة عند السؤال من هذه النفس ، يقول الله لها : نبعث عليك شاهدا من نفسك ، فتقول في نفسها : من يشهد علي؟ خرّج مسلم في صحيحه عن أبي هريرة قال : [قالوا يا رسول الله : هل نرى ربنا يوم القيامة؟ قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : والذي نفسي بيده لا تضارون في رؤية ربكم ، فيلقى العبد فيقول : أي قل : ألم أكرمك وأسودك وأزوجك وأسخر لك الخيل والإبل وأذرك ترأس وتربع؟ فيقول : بلى يا رب؟ فيقول : أفظننت أنك ملاقي؟ فيقول : آمنت بك وبكتابك وبرسلك ، وصليت وصمت وتصدقت ، ويثني بخير ما استطاع ، فيقول : ها هنا إذا ، قال ثم يقال له : الآن نبعث شاهدا عليك ، ويتفكر في نفسه ، من ذا الذي يشهد علي؟ فيختم على فيه ويقال لفخذه : انطقي ، فينطق فخذه ولحمه وعظامه بعمله ، وذلك ليعذر من نفسه وذلك المنافق ، وذلك الذي سخط الله عليه] فيسأل الله تعالى الجوارح عن تلك الأفعال التي صرفها فيها ، فيقول للعين : قولي فيما صرفك ، فتقول له : يا رب نظر بي إلى أمر كذا وكذا ، وتقول الأذن : أصغى بي إلى كذا وكذا ، وتقول اليد : بطش بي في كذا وكذا ، يعني في غير حق فيما حرم عليه البطش فيه ، وتقول الرجل : كذلك والجلود كذلك والألسنة كذلك وجميع الجوارح (إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلاً) فيقول الله له : هل تنكر شيئا من ذلك؟ فيحار ، ويقول : لا ؛ والجوارح لا تعرف ما الطاعة ولا المعصية ، فيقول الله : ألم أقل لك على لسان رسولي وفي كتبي لا تنظر إلى كذا ، ولا تسمع كذا ، ولا تسع إلى كذا ، ولا تبطش بكذا؟ ويعين له جميع ما تعلق من التكليف بالحواس ، ثم يفعل كذلك في الباطن فيما حجر عليه من سوء الظن وغيره ؛ فعليك بحفظ الجوارح ، فإنه من أرسل جوارحه أتعب قلبه ، فهذه الآية إعلام من الله لنا أن كل جزء فينا شاهد عدل مزكى مرضي ، وذلك بشرى خير لنا ، ولكن أكثر الناس لا يعلمون صورة الخير فيها ، فإن الأمر إذا كان بهذه المثابة يرجى أن يكون المآل إلى خير وإن دخل النار ، فإن الله أجل وأعظم وأعدل من أن يعذب مكرها مقهورا ، وقد قال : (إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ) وقد ثبت حكم المكره في الشرع ، وعلم حد المكره الذي اتفق عليه والمكره الذي اختلف فيه ، وهذه الجوارح من المكرهين المتفق عليهم أنهم مكرهون ، فتشهد هذه الأعضاء بلا شك على النفس المدبرة لها السلطانة عليها ، والنفس