لا يكون المحال الوجود وجودا بالفرض ، كذلك لا يكون الخلق حقا بضرب المثل ، فما هو موجود بالفرض قد لا يصح أن يكون موجودا بالعين ، ولو كان عين المشبه ضرب المثل ، لما كان ضرب مثل إلا بوجه ، فلا يصح أن يكون هنا ما وقع به التشبيه وضرب المثل موجودا إلا بالفرض ، فعلمنا بضرب هذا المثل أننا في غاية البعد منه تعالى في غاية القرب أيضا ، ولهذا قبلنا ضرب المثل ، فجمعنا بين القرب والبعد ، وهو القريب البعيد ، قريب بالمثل بعيد بالصورة ، لأن فرض الشيء لا يكون كهو ولا عين الشيء ، فهذه الآية من أسرار المعرفة بالله تعالى في ارتباط الإله بالمألوه والرب بالمربوب ، فإن المربوب والمألوه لو لم يتول الله حفظه دائما لفني من حينه ، إذ لم يكن له حافظ يحفظه ويحفظ عليه بقاءه ، فمن فهم هذه الآية علم حفظ الله العالم ، فهو روح العالم الذي يستمد منه حياته ، قال تعالى : (اللهُ نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) فلو احتجب الله عن العالم في الغيب انعدم العالم ، فمن هنا الاسم الظاهر حاكم أبدا وجودا ، والاسم الباطن علما ومعرفة ، فبالاسم الظاهر أبقى العالم ، وبالاسم الباطن عرفناه ، وبالاسم النور شهدناه ، ثم مثّل فقال : (مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكاةٍ) وهي الكوة (فِيها مِصْباحٌ) وهو النور أي صفة نوره صفة المصباح ولم يقل صفة الشمس ، فإن الإمداد في نور الشمس يخفى ، بخلاف المصباح فإن الزيت والدهن يمده لبقاء الإضاءة ، فهو باق بإمداد دهني ، (مِنْ شَجَرَةٍ) نسبة الجهات إليها نسبة واحدة ، منزهة عن الاختصاص بحكم جهة ، وهو قوله (لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ) وهذا الإمداد من نور السبحات الظاهرة من وراء سبحات العزة والكبرياء والجلال ، فما ينفذ من نور سبحات هذه الحجب هو نور السموات والأرض ، ومثله كمثل المصباح ، والنور الذي في الدهن معلوم غير مشهود ، وضوء المصباح من أثره يدل عليه ، وعلى الحقيقة ما هو نور وإنما هو سبب لبقاء النور واستمراره ، فالنور العلمي منفّر ظلمة الجهل من النفس ، فإذا أضاءت ذات النفس أبصرت ارتباطها بربها في كونها وفي كون كل كون ، وجعل هذا النور في مشكاة وزجاجة مخافة الهواء أن يحيره ويشتد عليه فيطفيه ، فكأن مشكاته وزجاجته نشأته الظاهرة والباطنة ، فإنهما من حيث هما معصومان ، فإنهما من الذين يسبحون بحمد الله الليل والنهار لا يفترون ـ فنور السّراج أدلّ على الحق من نور الشمس عند الناظرين بمشاهدتهم المادة التي بها بقاؤه ـ وأنزل الأنوار ما يفتقر إلى مادة وهو المصباح ، فإذا أنزل الحق نوره في التشبيه إلى مصباح وهو