نور مفتقر إلى مادة تمده وهي الدهن ، فما هو أعلى منه من الأنوار أقرب إلى التشبيه وأعلى في التنزيه ، وإنما أعلمنا الحق بذلك وجاء بكاف الصفة في قوله (كَمِشْكاةٍ) إلى آخر الآية ، إعلاما أنه نور كل نور ، بل هو كل نور ، وشرع لنا طلب هذه الصفة ، فكان صلىاللهعليهوسلم يقول : [واجعلني نورا] وكذلك كان صلىاللهعليهوسلم ، وما ضرب الله المثل في هذه الآية للاسم الله وإنما عيّن سبحانه اسما آخر ، وهو قوله (نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) فضرب المثل بالمصباح لذلك الاسم النور المضاف إلى السموات والأرض ، أي هكذا فافعلوا ، ولا تضربوا الأمثال لله فإني ما ضربتها ، فنهينا أن نضرب المثل من هذا الوجه إلا أن نعين اسما خاصا ينطبق المثل عليه ، فحينئذ يصح ضرب المثل لذلك الاسم الخاص ، كما فعل الله في هذه الآية ، فإنه تعالى هنا لم يطلق على نفسه اسم النور المطلق الذي لا يقبل الإضافة وقال : (نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) ليعلمنا ما أراد بالنور هنا ، فأثّر حكم التعليم والإعلام في النور المطلق الإضافة ، فقيدته عن إطلاقه بالسموات والأرض ، فلما أضافه نزل عن درجة النور المطلق في الصفة ، فقال : (مَثَلُ نُورِهِ) أي صفة نوره ، يعني المضاف إلى السموات والأرض كمشكاة ، إلى أن ذكر المصباح ومادته ، وأين صفة نور السراج ـ وإن كان بهذه المثابة ـ من صفة النور الذي أشرقت به السموات والأرض؟ فعلّمنا سبحانه في هذه الآية الأدب في النظر في أسمائه إذا أطلقناها عليه بالإضافة كيف نفعل ، وإذا أطلقناها عليه بغير الإضافة كيف نفعل ، مثل قوله : (يَهْدِي اللهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشاءُ) فأضاف النور هنا إلى نفسه لا إلى غيره ، وجعل النور المضاف إلى السموات والأرض هاديا إلى معرفة نوره المطلق ، كما جعل المصباح هاديا إلى نوره المقيد بالإضافة ، وتمم وقال : (وَيَضْرِبُ اللهُ الْأَمْثالَ لِلنَّاسِ) ونهانا في موطن آخر فقال (فَلا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثالَ إِنَّ اللهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) فإن الله اسم جامع لجميع الأسماء الإلهية ، محيط بمعانيها كلها ، وضرب الأمثال يخص اسما واحدا معينا ، فنهينا أن نضرب المثل من هذا الوجه إلا أن نعين اسما خاصا ينطبق المثل عليه ، فحينئذ يصح ضرب المثل لذلك الاسم الخاص كما فعل الله في هذه الآية ، وهذا مثل ضربه الله تعالى إخبارا بما هو الأمر عليه فقال : (مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكاةٍ فِيها مِصْباحٌ الْمِصْباحُ فِي زُجاجَةٍ الزُّجاجَةُ كَأَنَّها كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ) فالمشكاة والزجاجة والمصباح والزيت أربعة ، مثل على الوجود القائم على التربيع ، وهو للحق كالبيت القائم على