والوضع ، وعلم الأدلة والشبه ، ومن أعطي العلم العام وأمر بالتصرف فيه كالأنبياء ومن شاء الله من الأولياء أنكر عليه ، ولم ينكر هذا الشخص على أحد ما يأتي به من العلوم وإن حكم بخلافه ، ولكن يعرف موطنه وأين يحكم به ، وهذا العلم من الوجه الخاص الذي بين العبد وبين الله وهو لكل مخلوق ، وهو وجه لا يطلع عليه من العبيد نبي مرسل ولا ملك مقرب ، ولذلك قال الخضر لموسى عليهالسلام : أنا على علم علمنيه الله لا تعلمه أنت ، لأنه كان من الوجه الخاص الذي من الله لعبده ، لا يطلع على ذلك الوجه إلا صاحبه ، ثم قال له الخضر : وأنت أيضا على علم علمكه الله لا أعلمه أنا ، فإن كان موسى عليهالسلام قد علم وجهه الخاص عرف ما يأتيه من ذلك الوجه ، وإن كان لم يعلم ذلك فقد نبهه الخضر عليه ليسأل الله فيه ـ استدراك ـ اعلم أن العلم وسوء الخلق لا يجتمعان في موفق ، فكل عالم فهو واسع المغفرة والرحمة ، وسوء الخلق من الضيق والحرج وذلك لجهله ، واعلم أن العلم وإن كان شريفا فإن له معادن ، أشرفها ما يكون من لدنه ، فإن الرحمة مقرونة به ، ولها النفس الذي ينفّس الله به عن عباده ما يكون من الشدة فيهم ، والعبد إذا لزم الخلوة والذكر ، وفرغ المحل من الفكر ، وقعد فقيرا لا شيء له عند باب ربه ، حينئذ يمنحه الله تعالى ويعطيه من العلم به والأسرار الإلهية ، والمعارف الربانية التي أثنى الله بها على عبده خضر ما يغيب عنده كل متكلم على البسيطة ، بل كل صاحب نظر وبرهان ليست له هذه الحالة ، فإنها وراء النظر العقلي ، إذ كانت العلوم على ثلاث مراتب ـ علم العقل ـ وهو كل علم يحصل لك ضرورة أو عقيب نظر في دليل ، بشرط العثور على وجه ذلك الدليل ، وشبهه من جنسه من عالم الفكر الذي يجمع ويختص بهذا الفن من العلوم ، ولهذا يقولون في النظر : منه صحيح ومنه فاسد ـ والعلم الثاني ـ علم الأحوال ـ ولا سبيل إليها إلا بالذوق ، فلا يقدر عاقل على أن يحدّها ولا يقيم على معرفتها دليلا ، كالعلم بحلاوة العسل ومرارة الصبر ولذة الجماع والعشق والوجد والشوق وما شاكل هذا النوع من العلوم ، فهذه علوم من المحال أن يعلمها أحد إلا بأن يتصف بها ويذوقها ، وشبهها من جنسها في أهل الذوق ، كمن يغلب على محله طعمة المرة الصفراء ، فيجد العسل مرا وليس كذلك ، فإن الذي باشر محل الطعم إنما هو المرة الصفراء ـ والعلم الثالث ـ علوم الأسرار ـ وهو العلم الذي فوق طور العقل ، وهو علم نفث روح القدس في الروع ، يختص به النبي والولي ،