يجوز من العمل في البيوت (يُسَبِّحُ) يصلي (لَهُ) لله (فِيهَا) في المساجد ، فهل ترفع عن دخول الكفار فيها ، هي مسئلة خلاف فيما يحرم من ذلك ، وأما تنزيهها عن ذلك على جهة الندب فلا خلاف فيه ، فمن خرج (أَذِنَ اللهُ أَنْ تُرْفَعَ) أي أمر وحمله على الوجوب منع من دخول الكفار جميع المساجد المشركين وغيرهم ، وأما المسجد الحرام الذي بمكة فقد ورد النص بأن لا يقربه مشرك وأنه نجس ، فمن علل المنع بالنجاسة وجعل النجاسة لكفره وعلّل المسجد لكونه مسجدا منع الكفار كيفما كانوا من جميع المساجد ، ومن رأى أن ذلك خاص بالمسجد الحرام ، ولهذا خصّ بالذكر وأن ما عدا المشرك وإن كان كافرا لا يتنزل منزلته منع دخول المشرك المسجد الحرام وكل مسجد لقوله تعالى : (فِي بُيُوتٍ) وجوز الدخول فيه لمن ليس بمشرك ، ومن أخذ بالظاهر ولم يعلل منع المشرك خاصة من المسجد الحرام خاصة ، فإن النبي صلىاللهعليهوسلم حبس في المسجد في المدينة ثمامة بن أثال حين أسر وهو مشرك وهو الأوجه ، ولم يمنع غير المشرك من المسجد الحرام ومن المساجد ، ومنع المشرك من سائر المساجد أولى لقوله تعالى : (أَذِنَ اللهُ أَنْ تُرْفَعَ) إلا أن يقترن بذلك أمر وحالة فلا بأس ، وأما قوله تعالى في سورة البقرة : (أُولئِكَ ما كانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوها إِلَّا خائِفِينَ) ففيه إباحة الدخول للكفار في المساجد على هذه الحالة من ظهور الإسلام عليهم.
(رِجالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللهِ وَإِقامِ الصَّلاةِ وَإِيتاءِ الزَّكاةِ يَخافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصارُ) (٣٧)
(رِجالٌ) هنا له وجه تعلق يطلبه «يسبح» بالفاعلية ، ووجه يطلبه الابتداء بالمبتدئية ، وضمير (لا تُلْهِيهِمْ) يعود عليهم في الوجهين معا ، وقوله : (رِجالٌ) المراد بالرجال في هذه الآية والآيات الثلاث (وَعَلَى الْأَعْرافِ رِجالٌ) (وَما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ إِلَّا رِجالاً) (وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجالاً) ما أراد بالرجال في هذه الآيات الذكران خاصة ، وإنما أراد الصنف الإنساني ذكرا أو أنثى ، فلم يذكر النساء لأن الرجل يتضمن المرأة ، فاكتفى بذكر الرجال دون النساء تشريفا للرجال وتنبيها على لحوق النساء بالرجال ، فسمّى النساء هنا رجالا ، فإن درجة الكمال لم تحجر عليهن ، بل يكملن كما تكمل الرجال ، وثبت في الخبر كمال مريم وآسية امرأة فرعون (لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ) لا تشغلهم تجارة فهم في تجارتهم في ذكر