الله ، لأن التجارة على الحد المرسوم الإلهي من ذكر الله ، كما قالت عائشة عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم : إنه كان يذكر الله على كل أحيانه ، مع كونه يمازح العجوز والصغير (وَلا بَيْعٌ) فالتجارة أن يبيع ويشتري معا ، والبيع أن يبيع فقط (عَنْ ذِكْرِ اللهِ) أي لا يلهيهم شيء عن ذكر الله حين سمعوا المؤذن في هذا البيت يدعو إلى الله وهو حاجب الباب ، فقال لهم : [حيّ على الصلاة] أي أقبلوا على مناجاة ربكم ، فهؤلاء الرجال بادروا من بيعهم وتجارتهم المعلومة في الدنيا إلى هذا الذكر عند ما سمعوه ، ورد : المسجد بيت كل تقي ، فأضافه تعالى إلى المتقين من عباده وقد كان مضافا إلى الله تعالى ؛ واعلم أن القائلين بالأسباب إذا اعتمدوا عليها وتركوا الاعتماد على الله لحقوا بالأخسرين أعمالا ، وإذا أثبتوا الأسباب واعتمدوا على الله ولم يتعدوا فيها منزلتها التي أنزلها الله فيها ، فأولئك الأكابر من الرجال الذين لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله ، وأثبت لهم الحق الرجولة في هذا الموطن ، ومن شهد له الحق بأمر فهو على حق في دعواه إذا ادعاه (وَإِقامِ الصَّلاةِ وَإِيتاءِ الزَّكاةِ يَخافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصارُ) الخائفون أثنى الله عليهم بالخوف ، فالتحقوا بالملأ الأعلى في هذه الصفة ، فإنه قال فيهم : (يَخافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ) فمن كان بهذه المثابة تميز مع الملأ الأعلى ، ومن أدبهم مع الله أنهم خافوا اليوم لما يقع فيه لكون الله خوفهم منه ، ولما تحققوا بهذا الأدب أثنى الله عليهم بأنهم يخافون يوما تتقلب فيه القلوب والأبصار ، فهذا خوف الزمان ، وأما خوف الحال فهو قوله تعالى : (وَيَخافُونَ سُوءَ الْحِسابِ) فأهل الأدب مع الله وفقوا له حيث وفقهم ، فإن كثيرا من الناس لا يتفطنون لهذا الأدب ولا يعرجون على ما خوفوا به من الأكوان وعلّقوا أمرهم بالله ، أوحى الله إلى رسوله موسى عليهالسلام : يا موسى خفني وخف نفسك ـ يعني هواك ـ وخف من لا يخافني ـ وهم أعداء الله ـ ، فأمره بالخوف من غيره ، فامتثل الأدباء أمر الله ، فمشاهدة العقاب تمنع من الإدلال ، قال تعالى : (يَخافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصارُ) وقال (يَخافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ).
(لِيَجْزِيَهُمُ اللهُ أَحْسَنَ ما عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ) (٣٨)