(وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ) تلك الزيادة من جنات الاختصاص (وَاللهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ) عليه.
(وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمالُهُمْ كَسَرابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ ماءً حَتَّى إِذا جاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً وَوَجَدَ اللهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسابَهُ وَاللهُ سَرِيعُ الْحِسابِ) (٣٩)
ـ الوجه الأول ـ هذا مثل ضربه الله في أعمال الكفار فقال : (كَسَرابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ ماءً) وذلك لظمئه ، لو لا ذلك ما حسبه ماء ، لأن الماء موضع حاجته ، فيلجأ إليه لكونه مطلوبه ومحبوبه ، لما فيه من سر الحياة ، فجعل الحق في عين الرائي صورة الماء ، وهو ليس بالماء الذي يطلبه الظمآن ، فتجلى له في عين حاجته (حَتَّى إِذا جاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً) يعني الماء ، ونكّر وما قال الماء ، (وَوَجَدَ اللهَ عِنْدَهُ) أي عند السراب حين لم يجده شيئا ، يعني السراب ـ الوجه الثاني ـ (وَوَجَدَ اللهَ عِنْدَهُ) لمّا لم يكن السراب إلا في عين الرائي الطالب الماء ، فرجع هذا الرائي لنفسه لما لم يجد مطلوبه في تلك البقعة ، (وَوَجَدَ اللهَ عِنْدَهُ) لانقطاع الأسباب عنه فلجأ إليه في إغاثته بالماء أو المزيل لذلك الظمأ القائم به ، فما وجد الله إلا عند الاضطرار ، فإن المضطر يرجع إلى الله بكليته مثل الظمآن المضطر عند ما يسفر له السراب عن عدم الماء فيرجع إلى الله ولهذا قلنا : إذا لم تجد شيئا وجدت الله ، فإنه لا يوجد إلا عند عدم الأشياء التي يركن إليها ـ تحقيق ـ كل ما يعطيه الحس من المغاليط ليس على الحقيقة نسبة الغلط إلى الحس ، وإنما الغلط للحاكم ، وهو أمر آخر وراء الحس ـ تفسير من باب الإشارة ـ إذا اعتبرنا (وَالَّذِينَ كَفَرُوا) أي ستروا محبتهم ، وهم معطوفون على من سبقهم من الرجال في الآية السابقة ، وهؤلاء الذين ستروا محبتهم من المحبين ، فإن الحب يلطف أرواحهم لطافة السراب ، فإن السراب يحسبه الظمآن ماء لكونه مطلوبه ومحبوبه لما فيه من سر الحياة ، وقال (بِقِيعَةٍ) إشارة إلى مقام التواضع ، والظمآن إذا جاء السراب لم يجده شيئا ، وإذا لم يجده شيئا وجد الله عنده عوضا من الماء ، فكأن قصده حسا للماء ، والله يقصد به إليه من حيث لا يشعر ، فكما أنه تعالى يمكر بالعبد من حيث لا يشعر ، كذلك يعتني بالعبد في الالتجاء إليه والرجوع إليه والاعتماد عليه ، بقطع الأسباب عنه عند ما يبديها له من حيث لا يشعر ، فوجود الله عنده عند فقد الماء المتخيل له في السراب ، هو رجوعه